قطع النص المقدس رحلة طويلة ما بين تعدّد القراءات ومدارس الأداء، وبالطبع لم تكن رحلة سهلة، فقد شابها عديد من الأزمات الكبرى، إذ وُجد اتجاهان: الأول عبّر عنه مُؤسّسو دولة التلاوة الذين قادوا مسيرة دائمة من التطور، والثانى مثّله المُتشدّدون الذين دائما ما يعترضون ويرفضون الإبداع.
إن الأسئلة الرئيسية فى هذه الدراسة هى: هل يكره الله الموسيقى؟ وهل الغناء رجس من عمل الشيطان؟ ولماذا اتّسعت حناجر المُطربين وتكلَّست حناجر المُرتّلين؟ كيف يوصى الرسول بالتغنِّى ويجحد المُتّبعون الوصية؟ وهل يتداول القُرّاء على امتداد العالم قرآنًا واحدًا أم سُوَرًا ونصوصًا بعدد حناجر القُرّاء وأنفاس السامعين؟!
صدفة عابرة، وضعت لى قراءة الشيخ مصطفى إسماعيل الأسطورية من سورة "ق"، التى أدّاها فى مسجد السلطان "أبو العلا" خلال ستينيات القرن الماضى، فى قائمة عشوائية على "يوتيوب" إلى جوار تجارب غير مألوفة، أو صادمة للمعتاد والراسخ فى وعى السامعين. بدأت بصوت رخيم، وقور، يتهادى على مقامى البياتى والرَّسْت بآيات من سورة آل عمران، وفى خلفيته آلة نفخ بالغة العذوبة والشجن، تتراوح بين البياتى والصبا والحجاز التركى، ثم إلى تجربة أكثر جنونًا. مطرب يكشف أداؤه عن عُجمة وعَنَاء فى مضغ الحروف العربية، ينشد آيات من بعض قصار السور على موسيقى غربية الطابع، يتجاور فيها الجيتار مع آلة وترية، لا تقل غرابةً عن صاحبها، مازجًا الآيات ببيت شعر من إحدى قصائد نزار قبانى. لم يكن الأمر أغنية أو حتى ترتيلاً مُلحّنًا، وبقدر الغرابة وعدم القدرة على التوصيف كانت الدهشة، وبقدر الدهشة كانت الرغبة فى البحث، والفضول للاكتشاف، والخطوة الأولى بين الآيات والنغمات على سُلَّمٍ موسيقى صاعد نحو السماء.
القرآن والألحان
المتشددون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة