خرج الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، من جريدة الأهرام، يوم 1 فبراير 1974، بقرار من الرئيس السادات بإقالته بعد 17 عامًا من رئاستها، وتعيين الدكتور عبدالقادر حاتم رئيسًا لرئيس لمجلس إدارتها.فى هذا اليوم جمع «هيكل» مجلس إدارة «الأهرام» ومجلس التحرير، ومجلس نقابة الصحفيين، وقدم إليهم «حاتم» باعتباره المسؤول الجديد، وسلمه تقريرًا من العقل الإلكترونى عن اقتصاديات الأهرام وتوزيعها، وأرباحها، حسبما يذكر فى كتابه «بين الصحافة والسياسة»، مضيفًا: «غادرت المبنى لآخر مرة فى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر عارفًا أننى لن أعود إليه مرة أخرى مهما حدث أو يحدث».
صدرت الأهرام يوم 3 فبراير 1974، وعليها «عبدالقادر حاتم، رئيسًا لمجلس الإدارة، وعلى أمين مديرًا للتحرير».. ويتصدر العمود الأول من الصفحة خبر صغير نصه: «أصدر الرئيس أنور السادات بوصفه رئيسًا للاتحاد الاشتراكى، قرارًا بتعيين الأستاذ على أمين مديرًا لتحرير الأهرام».
كان خبر «على أمين» مثيرًا، وزادت إثارته يوم 8 فبراير، مثل هذا اليوم، 1974، بعد قرار السادات بتوليه رئاسة تحرير الأهرام، حسبما يذكر الكاتب الصحفى رجب البنا فى كتابه «هيكل بين الصحافة والسياسة»، وفى اليوم التالى «9 فبراير»، صدرت الجريدة وعليها «رئيس مجلس الإدارة، عبدالقادر حاتم، ورئيس التحرير، على أمين».
بين القرارين، وحتى 24 مايو 1974 الذى نقل فيه السادات، على أمين، من رئاسة الأهرام إلى الأخبار، دارت وقائع مثيرة تعكس طبيعة علاقة الصحافة بالسلطة وقتئذ، وتكشف عمق الاختلاف بين مدرستين صحفيتين، هما«الأهرام»، و«الأخبار»، وانعكاس ذلك على الأداء المهنى للصحفيين، وتكشف أيضًا كيف لعب السادات على التناقضات الشخصية بين كبار الصحفيين، خاصة محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين وعلى أمين.
كان الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين، شاهدًا وطرفًا فى هذه الأحداث، بحكم قربه من السادات، وصداقته لهيكل وعلى ومصطفى أمين، ونفوذه ككاتب صحفى فى الأهرام، وفى كتابه «محاوراتى مع السادات» يكشف عما جرى مع «على أمين» ومنه بعد تعيينه مديرًا ثم رئيسًا للتحرير.. يذكر أنه فى اليوم الأول الذى تسلم فيه مهامهما ذهب إلى مكتبه فى الأهرام الساعة السادسة بالضبط، ووجد كلا منهما يستدعيه تليفونيًا.. كان حاتم يجلس فى غرفة رئيس مجلس إدارة ورئيس التحرير، أى فى الغرفة التى كان يجلس فيها هيكل، ويجلس على أمين فى الغرفة المقابلة التى كانت تجلس فيها مديرة مكتب هيكل.
يذكر بهاء، أنه استنتج من قرار السادات بأن يكون «حاتم» رئيسًا لمجلس الإدارة، وعلى أمين مديرًا للتحرير، وأنه لا يريد أن يسلم الأهرام كاملة إلى على أمين بعد هيكل، وأنه شعر من لقائه بعلى أمين، أنه ليس مستاءً من وضعه كمدير تحرير، بل كان فى قمة الجذل والنشوة، وكيف لا وهو يجلس على قمة الهرم بعد أيام قليلة من انتهاء منفى دام تسع سنوات، «كان على أمين فى لندن منذ 1965، وعاد قبل أيام من قرار الإفراج عن شقيقه مصطفى يوم 27 يناير 1974 الذى كان محبوسًا منذ عام 1965 بتهمة التجسس لصالح أمريكا».
ويضيف بهاء، أن على أمين شرح له أن الوضع مؤقتًا، وأنه يتوقع أن يترك الدكتور حاتم مكانه بعد الاطمئنان إلى سير الأمور فى الأهرام بهدوء، وأنه سيكون المسؤول الأول والأخير فى مرحلة تالية.. ويؤكد: «أدهشنى أننى لمحت فى ذلك اليوم فى حديث على أمين بداية حملة فاجأتنى ضد محمد حسنين هيكل، ولكننى لم أرحب بالحديث ولم أحاول أن أسأل وأن أعرف».. ويعلق متعجبًا: «كنت أتصور أن علاقة الاثنين من أوثق وأقدم العلاقات».
ويرى بهاء: «كان قرار السادات فى وضع «حاتم» رئيسًا لمجلس الإدارة حكيمًا كما تبين لى من اليوم التالى، فقد قوبل على أمين بجو من العداء الشديد من كل من فى جريدة الأهرام أصحاب الولاء الطبيعى لهيكل ومدرسة الأهرام، كما أن على أمين كان يرى فى كل محرر أو عامل أو فراش مندوبًا لهيكل وخصمًا له، كذلك تبين لى بسرعة أن على أمين يريد تغيير شخصية جريدة الأهرام التقليدية إلى جريدة أشبه بشخصية الجريدة التى أسسها مع مصطفى أمين، وهى «أخبار اليوم».
ويتذكر بهاء، أنه رغم قراره باعتزال الحياة الداخلية فى الأهرام تمامًا، واكتفائه بمقاله الأسبوعى كل يوم أحد، وعدم التواجد فى المكتب إلا بالقدر الضرورى لاستقبال الزيارات المهمة، إلا أن دوامة الصراع بين على أمين وأسرة تحرير الأهرام كانت تتجاذبه، فالمحررون يجيئون إليه إما للشكوى من خناقاتهم مع على أمين، وإما هو يأتى ليشكو منهم، فماذا شهد هذا الصراع؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة