تمر الكثير من الأوقات على نجمات الفن، وهن مشغولات بأكثر من عمل، خاصة فى فترات التألق التى تمر بها كل نجمة، ويزداد إقبال المنتجين والمخرجين على الاستعانة بها فى أعمالهم.
وكثيرًا ما مرت مثل هذه الأوقات المزدحمة بالعمل، على نجمات الزمن الجميل، وبسببها وقعن فى العديد من المواقف الطريفة والغريبة. وفى عدد نادر من مجلة «الكواكب» صدر عام 1954 نشرت المجلة عددًا من هذه المواقف تحت عنوان «مشاكل ومشاغل» تحدثت خلاله عدد من نجمات الزمن الجميل عن بعض المواقف الطريفة والغريبة التى وقعن فيها بسبب شدة الانشغال.
سيدة الشاشة استلفت جنيها
وكان من ضمن النجمات اللاتى تحدثن للمجلة، الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، حيث قالت سيدة الشاشة لـ«الكواكب»، إنها كانت فى إحدى الفترات مشغولة بثلاثة أفلام فى وقت واحد، وكانت تصور بعضها فى ليل الشتاء، ما أصابها ببرد فى المعدة، ونصحها البعض بوضع حقيبة من الماء الساخن على بطنها قبل النوم، حتى تخفف من هذه الآلام، وكانت تفعل ذلك كل يوم بعد عودتها إلى المنزل وقبل نومها.
فاتن حمامة
وفى أحد الأيام استيقظت فاتن حمامة متأخرة عن موعدها فى الاستوديو، فأسرعت لترتدى ملابسها ولم تتناول إفطارها، وتصادف فى هذا اليوم أن تعطلت سيارتها وهو ما زاد من ارتباكها، واضطرت إلى طلب سيارة أجرة لتوصيلها للاستوديو.
وبعد أن وصلت الفنانة الكبيرة إلى الاستوديو، وهمت بأن تمد يدها فى حقيبتها لتدفع الأجرة لسائق التاكسى، فوجئت وهى تنظر إلى حقيبتها لتستخرج منها كيس النقود بأنها أحضرت حقيبة الماء الساخن التى تعالج بها معدتها ونسيت حقيبتها، فزاد ارتباك النجمة الكبيرة ولم يتمالك سائق التاكسى نفسه من الضحك، ولم يسعفها فى هذا الموقف سوى وجود أحد عمال الاستوديو بالقرب من التاكسى، فنزلت فاتن حمامة بكل ثقة وطلبت منه أن يقرضها جنيها حتى تدفع الأجرة، وانطلقت بعدها كالسهم إلى الاستوديو. وكان من ضمن النجمات اللاتى تحدثن للمجلة، الفنانة الكبيرة مديحة يسرى، والتى كانت وقتها أنجبت طفلة تعانى من المرض وتوفاها الله فيما بعد.
المنبه بدل صينية البطاطس
وحكت مديحة يسرى، أنها كانت خلال هذه الفترة مشغولة بمرض ابنتها، وفى الوقت ذاته، كانت كعادتها تقوم بنفسها بإعداد الطعام، ولا تترك هذه المهمة للخدم، لأنها كانت تعانى من الوسوسة، فلا تتناول طعامًا إلا من صنع يديها.
مديحة يسرى
وقالت سمراء النيل إنها أعدت صينية بطاطس وفتحت الفرن لتضعها فيه، وحتى لا تنساها فى الفرن وتحترق ضبطت المنبه ليرن فى الوقت المحدد لنضج البطاطس، حتى لا تنساها بسبب مشاغلها. وبعد أن وضعت مديحة يسرى صينية البطاطس فى الفرن، ذهبت للاعتناء بطفلتها، ولترتيب بعض المواعيد مع الأطباء الذين سيتولون علاجها، ولم تتذكر الصينية التى وضعتها فى الفرن إلا بعد أن سمعت صوت تحطم زجاج وفرقعة كبيرة، فأسرعت إلى المطبخ لتفاجأ بأن صينية البطاطس ما زالت مكانها على تربيزة المطبخ، وفتحت الفرن بسرعة لتفاجأ بأنها وضعت المنبه بداخله بدلا من صينية البطاطس، ففرقع زجاجه من شدة الحرارة.
فلوس ماجدة فى صندوق البريد
أما الفنانة الكبيرة ماجدة، فحكت لـ«الكواكب» أنها تعاقدت ذات مرة على أحد الأفلام، واتفقت مع المنتج أن تشترى الملابس التى يحتاجها الدور، لأن العمل بالفيلم كان سيبدأ خلال أيام، وانشغلت ماجدة بالعديد من الأمور حتى لم يتبق على موعد التصوير إلا أيام محدودة، وحينها حاولت أن تسرع فى اختيار الأقمشة اللازمة لتفصيل الفساتين المناسبة للفيلم. وقالت دلوعة الشاشة، إنها نزلت ذات يوم إلى شارع فؤاد المعروف حاليا بشارع 26 يوليو، لشراء أقمشة الفساتين، وتذكرت وهى تقوم بهذه المهمة، أنها يجب أن ترسل خطابا مهما يتعلق ببعض الأمور المالية إلى إحدى الجهات، وأنها إذا مر وقت محدد ستصيبها خسارة مالية بسبب غرامة التأخير.
ماجدة
وقررت ماجدة أثناء رحلة تسوقها لشراء الأقمشة أن تجلس فى أحد الكافيهات لتناول الشاى، وكتابة الرد المطلوب فى الخطاب، وبالفعل كتبت الرد واتجهت إلى أقرب صندوق بريد، وألقت الخطاب فيه، ثم استأنفت جولتها لشراء الأقمشة.
وبعد أن اشترت ماجدة ما تريد اتجهت لدفع الحساب، وحينها اكتشفت أنها فقدت كيس النقود الخاص بها، بل إنها فوجئت بالرسالة التى أرادت إرسالها ما زالت فى حقيبتها، رغم أنها ظنت أنها ألقت بها فى صندوق البريد، وهنا أدركت أنها فعلت العكس، ومن شدة انشغالها وعدم تركيزها ألقت بكيس النقود فى صندوق البريد واحتفظت بالرسالة فى حقيبتها.
وهنا أسرعت ماجدة إلى مصلحة البريد فى ميدان العتبة، وروت لمدير المصلحة ما حدث معها، فأمر المدير بالبحث فى الصناديق بين الخطابات الموجودة حتى تم العثور على كيس النقود الخاص بالفنانة الكبيرة، وأحضره أحد جامعى الخطابات لتتسلمه ماجدة وتتنفس الصعداء، بينما ضحك مدير البريد، وعادت النجمة لاستئناف جولتها ودفع حساب الأقمشة التى اشترتها.
زهرة العلا لصة سيارات
أما الفنانة الكبيرة زهرة العلا، فتحدثت لـ«الكواكب» عن موقف لا تنساه وقع عام 1953، وكانت وقتها مخطوبة، وفى أحد الأيام أخذت سيارة خطيبها وذهبت إلى البنك الأهلى لسحب مبلغ من المال.
زهرة العلا
وقالت زهرة العلا، إنها ركنت السيارة عند الزاوية المواجهة للبنك، ودخلت لسحب المبلغ، ثم عادت بعد أن أنجزت مهمتها، لتفاجأ بوجود عسكرى المرور يقف غاضبا إلى جوار السيارة وهو يدون فى دفتره العديد من المخالفات للسيارة التى ركنتها فى مكان غير مسموح بالوقوف فيه. وأشارت زهرة العلا، إلى أنها فزعت من غضب العسكرى، ومن كم المخالفات التى دونها، وما إن وصلت للسيارة حتى قفزت فيها وانطلقت مسرعة، إلى استوديو شبرا، حيث كانت مرتبطة بموعد تصوير هناك.
وفوجئت الفنانة الكبيرة أثناء طريقها بأن موتوسيكل البوليس يسير وراءها ويطلق سارينته، ولم تنتبه إلا بعد أن وصلت للاستوديو إلى أن البوليس كان يطاردها هى طوال الطريق، وما إن توقفت أمام الاستوديو حتى وجدت رجال البوليس وكأنهم أمسكوا بلص عتيد يسرعون إليها ويتهمونها بسرقة السيارة، وهنا نظرت زهرة العلا لتفاجأ بأن السيارة التى ركبتها ليست سيارة خطيبها، وإنما أخرى من نفس الماركة واللون، وكان صاحب السيارة يقف ليتحدث مع العسكرى حين خرجت هى من البنك، وفوجئا بها تركب سيارة الرجل وتنطلق بها مسرعة فظنا أنها سرقتها، وانهال صاحب السيارة على زهرة العلا بالشتائم والاتهامات، حتى أدرك الجميع الخطأ الذى حدث، واعتذرت الفنانة الكبيرة عن هذا الخطأ غير المقصود، لكنها لامت صاحب السيارة قائلة: «إنت إزاى تسيب عربيتك مفتوحة؟! لو كانت مقفولة ماكنتش عرفت أركبها وماكانش اللى حصل حصل».
سادت العلاقة الطيبة بين الصحافة والفن لفترات طويلة، خاصة فى زمن الفن الجميل الذى ارتبط فيه الأدباء والكتاب والصحفيون بأهل الفن، وجمعتهم علاقات صداقة قوية، وساهم كل فريق منهم فى مسيرة وتقدم الفريق الآخر.
وكان نجوم الزمن الجميل يحرصون على حسن علاقتهم بالصحافة، فكانوا ينشرون مقالاتهم ومذكراتهم بالصحف والمجلات، ويطلون على جماهيرهم من خلالها، ليتحدثوا عن كل تفاصيل حياتهم مستقبلين رسائل القراء.
ورغم هذه العلاقات الطيبة، نشبت فى بعض الأحيان معارك بين الصحافة والفن، وصلت لساحات القضاء، بل وأحيانا إلى الإسعاف والمستشفيات، خاصة فى الفترة المبكرة لبداية نشأة الفرق الفنية والمسرحية، حيث لم يكن وقتها قد تبلورت العلاقة بين الصحافة والفن، ولم يكن أهل الفن قد أدركوا معنى وأهمية النقد الفنى، واعتبره بعضهم نوعا من الذم والسب يستلزم عقاب صاحبه.
وفى عدد نادر من مجلة «الكواكب»، صدر عام 1954، وكان وقتها حدثت أزمة بين الصحافة والفن بسبب اتهام أحد النقاد لعدد من المخرجين بسرقة قصص أفلامهم من الأفلام الأجنبية، كما اتهم بعض الموسقييين بسرقة الألحان الغربية ومسخها، وحدثت ضجة بين بعض الكتاب وبين عدد من السينمائيين، فوجدت مجلة «الكواكب» فى هذه المعركة فرصة للحديث عن المعارك السابقة بين الصحافة والفن، والتى حدثت فى فترة الثلاثينات، ووصل بعضها إلى استخدام القوة، ووصلت الخصومة إلى المستشفيات.
سلطانة الطرب تستعين بالفتوات
واستشهدت «الكواكب» بإحدى هذه المعارك التى حدثت بين الناقد المسرحى القديم عبدالمجيد حلمى، وبين منيرة المهدية، التى لقبت بـ«سلطانة الطرب» وكانت وقتها تتربع على عرش المسرح الاستعراضى.
وشن الناقد المسرحى حملة صحفية على منيرة المهدية، التى كان لها وقتها من النفوذ والسلطة ما لم يسمح بأن ينتقدها أى قلم صحفى أو يبدى أى ملاحظات على فنها، ولكن ذهب الناقد المسرحى عبدالمجيد حلمى ذات ليلة إلى مسرح منيرة المهدية، فلم يعجبه أداؤها لأحد ألحان المرحوم سلامة حجازى، وفى أول عدد من مجلته كتب مقالا يهاجم فيه منيرة المهدية، وقال فيه إن عليها إما أن تعتمد على أحد الملحنين ليعلمها كيف تغنى، أو أن تريح الناس من صوتها وغنائها وتعتزل.
وتسبب هذا المقال فى ضجة واسعة، وخرجت الصحف لتعلق على هذا المقال، وغضبت منيرة المهدية غضبا شديدا، وقررت أن تؤدب عبدالمجيد حلمى، فاستعانت بعدد من فتوات عماد الدين الذين تستخدمهم لتأديب السكارى الذين يقومون بالشوشرة عليها أثناء الغناء، وأوكلت إليهم مهمة تأديب الناقد الفنى.
وبينما كان عبدالمجيد حلمى، يجلس مع بعض أصدقائه بأحد مقاهى شارع عماد الدين، هجم عليه هؤلاء الفتوات، واستطاع عبدالمجيد وأصدقاؤه الهرب بعد أن تحول المقهى إلى حطام.
وعرف عبدالمجيد حلمى بأنه هو المقصود من هذا الهجوم، فازداد عنادا، وشن حملة واسعة على منيرة المهدية بمجلة المسرح استمرت لمدة شهرين، حتى أنها أثرت على إيرادات شباك التذاكر لسلطانة الطرب.
ورأت منيرة المهدية بعد تأثير هذه الحملة عليها، أنه لا سبيل لها إلا الصلح ومخاطبة ود الناقد الفنى، وأن تعتذر له، فدعت عددا من الصحفيين والكتاب والفنانين فى بيتها، وعقدت جلسة صلح بينها وبين عبدالمجيد حلمى.
ولكن هذه المعركة تركت أثرها خلال هذه الفترة فى الوسط الفنى، وأوعزت لبعض أصحاب الفرق باستخدام الفتوات والبلطجية لتأديب كل ناقد تسول له نفسه أن يهاجم صاحب الفرقة، أو ما تقدمه من روايات.
يوسف وهبى يصدر مجلة ويستخدم العصا
وذكرت «الكواكب» أن من بين أهم هذه المعارك، ما وقع بين يوسف وهبى وعدد من النقاد، حيث اشتد فى فترة من الفترات هجوم النقاد ضد يوسف وهبى، وروايات فرقة رمسيس، ولم تفلح جهود يوسف وهبى فى إيقاف هذه الحملات، وكان يرد عليها فى الصحف، وهدد باللجوء للقضاء.
واضطر الفنان الكبير إلى أن يصدر مجلة خصص كل صفحاتها للرد على آراء النقاد، والتى كان يسميها أراجيف وسخافات النقاد الفنيين، وكلفته هذه المجلة وقتها ما يزيد على ألفى جنيه، وهو مبلغ كبير فى ذلك الوقت، ورغم ذلك لم تتوقف هذه الحملات ضد فرقته.
ولما نفد صبر يوسف بك، اضطر أن يعمل بنصيحة صديقه أحمد عسكر، مدير إدارة مسرح رمسيس وقتها، باستخدام العصى لوقف هذه الحملات.
وكلف «عسكر» مجموعة من البلطجية بهذه المهمة، وكان من عادة النقاد الفنيين أن يجتمعوا على أحد مقاهى شارع عماد الدين، وفى ساعة محددة هجم عليهم هؤلاء البلطجية، وأسفر الهجوم عن إصابة اثنين من النقاد، بينما جرى الآخرون، وصدرت الصحف فى اليوم التالى لتطالب بحماية النقاد من أصحاب الفرق، والتحقيق فى واقعة الهجوم التى حدثت بالأمس.
ودافع يوسف وهبى عن نفسه، وأكد أنه لا يعلم شيئا عن هذا الهجوم، وطاف على الصحف ليعتذر للنقاد، وزار الناقدين المصابين.
النقاد يستخدمون القلم والمسدسات
وذكرت «الكواكب» أنه مر وقت على النقاد كانوا يحملون فيه المسدسات للدفاع عن أنفسهم، بعد أن تكرر هجوم البلطجية الذين يستأجرهم أصحاب الفرق المسرحية للهجوم على أى ناقد ينتقد أعمالهم.
وذات مرة، كتب أحد النقاد يهاجم بديعة مصابنى، ويقول إنها لا تعرف التمثيل ولا أصول الرقص والغناء، فاستاءت بديعة وغضبت غضبا شديدا، وقررت أن تنتقم من هذا الناقد، فأوعزت إلى بلطجى إيطالى يدعى «أرمانو» كان معروفا بشراسته فى شارع عماد الدين لتأديب الناقد الفنى مقابل 20 جنيها.
وبينما كان هذا الناقد يسير فى شارع عماد الدين، إذا بـ«أرمانو» يهجم عليه، وقبل أن يهم بضربه كان الناقد أخرج المسدس من جيبه، وما أن رأى «أرمانو» المسدس حتى لاذ بالفرار، وظل الناقد الفنى مستمرا فى هجومه على بديعة مصابنى، حتى تدخل نجيب الريحانى وأصلح بينهما.
عدد اليوم السابع