أطلق برنامج «وعى للتنمية المجتمعية» بوزارة التضامن الاجتماعىُ حملة «التربية الأسرية الإيجابية» فى الأسمرات، حيث تهدف الحملة إلى رفع وعى الأسر بخطورة استخدام العنف الجسدى والنفسى ضد الأطفال كأحد وسائل تربية الأطفال فى الأسرة، وتأثيره السلبى على شخصية الطفل، بالإضافة إلى أهمية القراءة والمعرفة للأطفال، لأن محدودية القراءة ينتج عنها تأثيرات سلبية على التكوين المعرفى للطفل ووعيه وضعف مهارات القراءة لديه وذلك تنفيذًا لتوجيهات الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى
وشهدت الحملة عقد ورش تدريبية للأطفال والأسر داخل الحضانات بالأسمرات، بالإضافة إلى توزيع عدد من كتب الأطفال على الأسر، تتضمن قصصًا للأطفال تحثهم على القراءة وتشجع الأمهات على الحكى من أجل تحفيز أبنائهم على حب القراءة منذ الصغر.
وسعت ورش الحملة إلى رفع وعى الأسر الأولى بالرعاية بأساليب التربية الإيجابية التى تعتمد على المشاركة والحوار بين الوالدين والأطفال، كما تعتمد على تنمية الوعى والإدراك لدى الاطفال من خلال أنشطة الحضانات والرائدات الاجتماعيات.
أمهات الأسمرات لم تصبح الحضانة بالنسبة لأسماء أحمد يحيى، مكانا لتعلم فيه أطفالها مبادئ القراءة والكتابة، تمهيدا للالتحاق بالمدرسة، مثلما كان مقصدها في البداية، فقد غيرت الحضانة مشاعرها ناحية الحي الذى شعرت فيه بالغربة، كما غيرت طريقتها في التعامل مع أولادها.
"أسماء" كانت من سكان منطقة الدويقة، قبل أن تنتقل للحياة في حي الأسمرات، الذى استقبل سكان المناطق العشوائية غير الآمنة، ولم ينتقل معها جيرانها، فبقيت شهورا تشعر بالغربة، ومنعت طفليها من اللعب في الشارع كما كانا معتادان على ذلك في الدويقة.
لم تحصل "أسماء" سوى على التعليم الاعدادي، ولذا أرادت أن يتعلم طفليها في الحضانة قبل أن يذهبا للمدرسة، فكانت من أوائل من ألحق ابنيه" البنت 4 سنوات، والولد 5 سنوات" بالحضانة، وبمرور الأيام تعرفت على أمهات الأطفال وأصبحن صديقات لها، خاصة أنهن جيران في حي واحد، ولم تعد تشعر بمشاعر الغربة مثلما كان في شهور حياتها الأولي بالحي.
شاركت "أسماء "مع أمهات أطفال حضانة خير وبركة في لقاء الأمهات، الذى نظمته الحضانة مع الأمهات، حول كيفية التعامل مع مشكلات الأطفال، مشكلة "أسماء" مع ابنها هو شعوره الدائم بالغيرة من أى طفل آخر لديه شىء ليس لديه هو مثله.
ونقلت أسماء المشكلة إلى "رانيا أمين" ، الأخضائية النفسية والتربوية، ومؤلفة كتب الأطفال،
"الغيرة" لم تكن المشكلة الوحيدة التى ناقشتها الأمهات مع الأخصائية النفسية، بل تضمن النقاش مواقف أخرى مثل:"طفلي لا يتحدث معي، طفلتي تريد لعبة عنيفة، وعندما اشتريت لها اللعبة المناسبة رمتها وقالت لن ألعب بها، أضرب ابنى وأسبب له الألم، لأني لا أستطيع السيطرة على أعصابي، ثم يطاردني الشعور بالذنب طوال الوقت وأنا أرى أثر الألم الذى سببته له...".
الحضانة مطلب جماعي
"قبل بدء العمل في حي الأسمرات في 2018، أجرى القائمون على بعض الجمعيات استبيانا مع أهالي الحي، حول أهم ما يحتاجون إليه، وكانت الاجابة الأكثر تكرارا بين الأهالي القادمين من المناطق المختلفة، هو الحاجة إلى حضانات لأطفالهم، ولهذا تم إنشاء حوالي خمس حضانات متفرقة في أنحاء الحي، تسع كل منها نحو 150 طفلا"، كما توضح نور محمد، المسئول التعليمي بالحضانة.
تتابع نور: في الشهور الأولى للعمل، كان تركيز الأمهات على أن يتعلم أولادهن القراءة والكتابة، لكننا أوضحنا لهن أن الأهم هو أن ننمي مهارات الأطفال بالأنشطة المختلفة، ثم تأتي مرحلة القراءة والكتابة، وهو ماحدث يوما بعد يوم.
وتوضح عفاف ماهر، مدير حضانة الأسمرات" 5" : تعليمنا قائم على اللعب والاستمتاع، وقد لمس الآباء هذا من خلال متابعتهم لسعادة أطفالهم بعد العودة من الحضانة، وتغير سلوكياتهم الخاطئة، قائلة: "كانوا يأتون ليشكروننا عن أن الابن أصبح يقول صباح الخير أو يستأذن قبل الدخول، ويساعد أخوته، بل ويحاول أن يغير من سلوكيات الكبار أحيانا، وكنا نستدعى الأم التى لدى ابنها مشكلة، لنوجهها للتعامل التربوي الصحيح معه، بالاضافة للقاءات الجماعية للأمهات"
تشرح عفاف: "لقاءات الأمهات عرفت الأمهات ببعضهن وقربتهن لبعضهن، وتعرفن على مهنة كل واحدة وما يمكن للأخريات أن يستفدنه من هذه المهنة، فاذا كانت إحداهن تعمل في الخياطة، فيمكن للأخريات الاستفادة منها أو تشجيعها ومساعدتها على تسويق إنتاجها".
مكان صغير ورسالة كبيرة.
لم تكن رانيا حسين أمين الأخصائية النفسية والتربوية، ومؤلفة ورسامة كتب الأطفال، تتوقع المستوى الذى وجدت عليه أطفال حضانة الأسمرات، عندما بدأت تحكي لهم القصص التى أحضرتها لهم، وتفاعلهم الكبير أثناء المناقشة والأسئلة حول القصة.
"حكيت مع الأطفال كذا حكاية وتناقشنا معا، وتحدثنا في موضوعات مختلفة، وفوجئت بأن لدى الأطفال أسئلة كثيرة يريدون أن يتناقشوا فيها، وأنهم متحدثون جيدون، ويعرفون كيف يعبرون عن أنفسهم، وهو ما أبهرني حقا".
نشاط حكي القصص للأطفال بطريقة تربوية، يأتي ضمن أنشطة برنامج وعي للتنمية المجتمعية، الذى تتبناه وزارة التضامن الاجتماعي، ويعقب الحكي توزيع كتب هدايا للأطفال، بالاضافة إلى تزويد الحضانات بالكتب التى يمكن استعارتها وإعادتها مرة أخرى، ليستفيد بها أكبر قدر من الأطفال وأسرهم، من خلال التبرع بهذه الكتب من الأسر أو الجهات المختلفة.
تبع نشاط الحكي مع الأطفال، لقاء رانيا مع الأمهات عن أهمية القراءة للأطفال: "شعرت أنهن كن مهتمات بأن يقضين وقتا مفيدا وممتعا مع أطفالهن، وقت محدد كل يوم يكون فيه التركيز على الطفل وإفادته، من خلال التحدث معا في موضوعات مختلفة، خاصة التى تعالج مشكلات الأطفال" تقول رانيا.
بعد لقاء رانيا قالت أسماء أحمد-إحدى الأمهات": النهاردة عرفنا أهمية القراءة لأولادنا، لأنها فرصة لأصاحب أولادي وفي نفس الوقت توجيههم لاصلاح سلوكياتهم الخاطئة، عن طريق القصص بطريقة غير مباشرة، لو ابني بيكذب إزاي أحكي له حكاية تعرفه أهمية الصدق والصراحة".
وعلقت الأم فاطمة كرم: "عندى مشاكل كثيرة مع ابنى البالغ 7 سنوات، لا أشعر بها مع ابنتى ذات الخمس سنوات، لا يتحدث معي إلا قليلا، أطبق ما أوصتني به مشرفة الحضانة وأحاول أن أمتص غضبي، وأتحدث معه بلطف، فتبدل الحال قليلا، والآن سأقرأ له القصة التى أعطوها لي اليوم وأضع تركيزي معه وأحتضنه أثناء القراءة، وسأحرص على أن تكون تعليقاتي مضحكة حتى نشعر معا بالبهجة، كما تعلمت وسأرى كيف سيكون الأمر".
"كل طفل عنده أشياء ليست عند الآخر" كانت النصيحة التى نصحت بها رانيا الأمهات الآتي يشتكين من غيرة أطفالهن من الأطفال الآخرين، ويريد الواحد أن يشترى حذاء مثل ذلك الذى لدى زميله، أو لعبة مثل التى يلعب بها الآخر، أو شنطة أو غيرها.
استثنت رانيا حالة الطفل الذى شعر بالغيرة من أن المعلمة أعطت نجمة لطفلة ولم تعطه مثلها لأنها كتبت الكلمة بطريقة سليمة، فقالت لأمه بابتسامه :"هذا يعني أنه شاطر، وهذه مشاعر تنافس جميلة، يجب أن نشجعها بأن نذاكر معه أكثر ليكون متفوقا".
بعض الآباء أو الأمهات يأتون إلى المدرسة معترضين لأنه لم يتم اختيار الابن كقائد للفصل مثل زميله، مشكلة رأتها رانيا متكررة، ونصحت الأمهات "مش مهم الابن أو الابنة يكون قائد أو تابع، المهم يكون سعيدا، وبيعرف يعبر عن نفسه ويتعامل مع الجميع بشكل كويس".
لمست رانيا مشكلة بعض الأمهات مع أولادهن، حين قالت أن الحكي للأطفال يجعلهم يتعرفون على شخصيات كثيرة وعلى مواقف متعددة ويناقشون معنا ماذا يفعلون إذا مروا بتلك المواقف، مما يعطيهم القدرة على التعامل بمرونة مع الشخصيات والمواقف المختلفة.
وأضافت: "الكتاب هينمى خياله وفكره، والكتب المضحكة هتعيشنا في جو من المرح والبهجة معا، ممكن نقرأ قصص الأطفال من غير ما نكون بنعرف نقرأ، نشوف الصور ونحكيها ونفكر معاهم ايه اللي حصل في القصة، ونسمع أولادنا أكثر ما نتكلم إحنا، نعطيعم فرصة يعبروا عن خوفهم ونطمنهم، عشان الطفل اللي بيتكلم كويس ثقته في نفسه بتكبر".
تنصح رانيا الأمهات خلال اللقاء، وتشرح لهم كيف أن القصص المكتوبة خصيصا للأطفال، تساعدنا لتوصيل أفكار صعبة بطريقة مبسطة، مثل أن يموت شخص عزيز ويسأل الطفل أين ذهب جدي، أو أين ذهبت جدتي، وهنا تكون قصة الطفل الذى مات عصفوره مناسبة لأن يعرف الطفل هذه المعاني بطريقة مبسطة، وفي نفس الوقت يعرف أن الحياة تستمر وأننا يمكن أن نتكلم ونضحك أيضا، "الطفل خلال الحكي يحتاج لحضن وصوت أمه أو والده أكثر من أى شيىء آخر".
"حضانات حى الأسمرات، بسيطة ونظيفة ومبهجة، وألوانها حلوة، والمشرفات على قدر عال من التدريب للتعامل مع الأطفال وحكى القصص لهم بطرق شيقة وتربوية، وتنمية مهاراتهم، ليس هذا فقط بل أنهن يساهمن في تطوير مهارات الأمهات للتعامل مع أطفالهن"، هكذا وصفت فيفيان فؤاد، مستشار برنامج وعي للتنمية المجتمعية بوزارة التضامن الاجتماعي، قائلة: "فخورة بتجربة خير وبركة وأتمنى أن تعمم على كل المناطق الجديدة البسيطة، لأن رسالتها تقول:"الحضانة مهما كانت بسيطة، يمكنها أن تقدم خدمة كبيرة ورائعة للأطفال وأسرهم".
حملة التربية الأسرية الايجابية لوزارة التضامن
سيدات الاسمرات
محاضرة لرفع الوعى الأسرى بخطورة العنف الجسدى
جانب من المحاضرة
حملة التربية الأسرية الايجابية بالاسمرات
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة