عاش الخديوى إسماعيل حياة درامية بالفعل، لقد كان يحلم، وكان حلمه غريبا على الواقع، فهو أراد مصر جميلة، لكنه نسى أنه يحتاجها قوية كى تحمى الجمال الذى يريده، وتمر اليوم ذكرى رحيل الخديوى فى 2 مارس من عام 1895، حيث مات منفيا عن وطنه، مصابا بالحزن والكمد، على ما جرى له عندما تم عزله فى عام 1879 عن حكم مصر فيما يشبه المؤامرة شاركت فيها الدول الاستعمارية بريطانيا وفرنسا إضافة إلى الدولة العثمانية.
وأنا مشغول بإسماعيل الذى أراد أن يعيد لمصر بهاءها فعمد إلى العمران والبنيان ليظل شاهدا على ما أراده لمصر ولنفسه، وقد ظللنا سنوات طويلة نحفظ عن إسماعيل صورة واحدة هى صورة "المسرف" الذى استدان من أجل ملذاته ومن أجل أن يرضى الغرب، وربما كان ذلك صحيحا، لكنه يظل وجه واحدا من أوجه هذه الشخصية المهمة فى تاريخ مصر، فى كتاب مهم لـ حسين كفافى عنوانه "الخديوى إسماعيل ومعشوقته مصر" يقول "كيف تضافرت قوى الشر والفساد ضده لتنفرد بأمر مصر؟ وكانت أولى قوى الشر هذه هى الدول الأوروبية التى دبرت من ناحيتها خطة لإقصاء إسماعيل عن حكم مصر. فإنجلترا امتدادا لحملتها الشهيرة على مصر 1807 لا زالت عينها على مصر من ناحية، وفرنسا من ناحية أخرى تجدد إحساسها بالندم لخروجها من مصر، وأحس الباب العالى بأن إسماعيل يطمع فى الاستقلال، لذلك وضعه فى القائمة السوداء بقصد التخلص منه، لقد ازداد حقد السلطان عبد الحميد لدى توليه السلطة فى اسطنبول من نجاح إسماعيل فى حكم مصر ومن تفوقه فى إدارتها عزما لتطويرها والوصول بها إلى مصاف الدولة الأوربية المتقدمة ومن عوامل زيادة حقد السلطان استطاعة إسماعيل خلال سنوات ليلة أتن يحقق من الصورة الحضارية ما كان مستحيلا على غيره".
لقد كان الخديوى إسماعيل ضحية لأمرين هما الحلم والمؤامرة، أراد الخير لكنه لم يستعد له، بينما كان الآخرون ذئابا جائعة ينتظرون أن تنكشف رقبة الضحية ليغرسوا أنيابهم المسمومة، وقد كان.