أثار كتاب الإسلام وأصول للحكم للشيخ على عبد الرازق الكثير من الجدل فى سنة 1926 ونتجت عنه أزمة سياسية كبرى، ولكن من الواضح أن الكتاب كان بريئا من هذه الأزمة، هذا ما تقوله به مجلة "العالم" فى عددها الصادر فى يونيه 1926.
تقول المجلة تحت عنوان "إماطة اللثام.. عن أصل مشكلة كتاب الإسلام وأصول الحكم .. لماذا اختلف يحيى إبراهيم باشا مع عبد العزيز فهمى باشا"، ليس بين المصريين المتنورين من يجهل اسم كتاب "الإسلام وأصول الحكم" وكيف يكون بينهم من يجهل اسم كتاب "الإسلام وأصول الحكم" وقد أحدث، فى وقت من الأوقات، أزمة سياسية خطرة ماجت لها البلاد، من أقصاها إلى أقصاها، إذ آلت إلى فصم عرى الائتلاف المزيف الذى كان قائما يومئذ بين الأحرار الدستوريين والاتحادين واستئثار هؤلاء بالحكم دون الأولين، وكل صرح لا بشيد على دعائم الحق والعدل والإنصاف مصيره الانهيار والدمار، سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والذى كان الجمهور المصرى يعرفه حتى الآن عن أسباب تلك الأزمة المباركة هو أنها نشأت عن خلاف وقع بين دولة يحيى إبراهيم باشا رئيس الوزارة بالنيابة يومئذ ومعالى عبد العزيز فهمى باشا وزير الحقانية يومئذ أيضا على كيفية تنفيذ الحكم الذى أصدرته هيئة كبار العلماء فى شأن الكتاب المشار إليه آنفا.
وعن أصل هذا الخلاف هو بالاختصار أن يحيى إبراهيم باشا أرسل صورة الحكم المذكور إلى عبد العزيز فهمى باشا لينفذه بصفته وزيرا للحقانية فأحاله معاليه إلى قلم قضايا الحكومة ليبدى رأيه فيه فاستاء يحيى إبراهيم باشا من هذا المسلك وحتم على زميله وزير الحقانية أن يخرج فى مضمون الحكم من حيز القوة إلى حيز الفعل فى الحال، فأصر عبد العزيز فهمى باشا على موقفه، وأبى أن يذعن لنائب رئيسه، فتذرع رئيس الوزارة بالنيابة، أى يحيى إبراهيم باشا، بهذا الإصرار ليستصدر مرسوما ملكيا "بانتداب وزيرا آخر لوزارة الحقانية" أو بعبارة أخرى "بإقالة وزير الحقانية" فانتصر صاحبا المعالى محمد على باشا وتوفيق دوس باشا لزميلهما عبد العزيز فهمى باشا واستقالا من الوزارة وحذا حذوهما معالى إسماعيل صدقى باشا.
هذا هو بالإيجاز ما كان الناس يعلمونه عن مشكلة كتاب "الإسلام وأصول الحكم" أو عن أصل الخلاف بين يحيى إبراهيم باشا وعبد العزيز فهمى باشا، ولكن "ياما فى الزوايا خبايا" على رأى المثل العامى، فقد وفق محر "العالم" فى أثناء بحثه فى زاوية من الزوار إلى معرفة أن كتاب "الإسلام وأصول الحكم" ليس الأصل الحقيقى للخلاف الذى نشأ بين يحيى إبراهيم باشا وعبد العزيز فهمى باشا وأن لهذا أصلا آخر هو السبب الحقيقى فى حدوث ما حدث بين الوزيرين المؤتلفين.
وبيان ما اتصل بالمحرر فى هذا لصدد أنه لما عرض على يحيى إبراهيم باشا الانتظام فى سلك الوزارة الزيورية الثانية، مع من وقع عليه الاختيار للاشتراك فيها، تردد دولته أولا فى القبول لداع شخصى ثم عاد بعد الإلحاح فرضى بأن يدخل الوزارة الزيورية على أن يرقى أحد أنجاله وهو إبراهيم بك إلى وظيفة أعلى من التى يتقلدها فى النيابات.
وما كادت الوزارة الزيورية الثانية تتربع فى ست الحكام حتى طلب يحيى إبراهيم باشا من عبد العزيز فهمى باشا أن يرقى نجله إلى الوظيفية التى كان يمنى بها نفسه فوعده أن ينظر فى المسألة، ولكن الظاهر أن معاليه رأى فيما بعد أن هذه الترقية فى غير محلها فلم يستصوب أن يجيب يحيى باشا إلى طلبه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة