سليم حسن: الفن خلد لنا تاريخ مصر القديم ونقل إلينا حضارتهم
لو أردنا أن نتوقف مع الفن المصرى وقيمته، فإن عالم المصريات «سليم حسن» فى الجزء الثانى من موسوعته "مصر القديمة" يقول : "كان المصرى يعتقد أنه سيحيا حياة أخرى فى القبر مماثلة لحياته الدنيوية، أخذ ينقش على جدران مقبرته كل مناظر الحياة اليومية، وما كان ينعم به من بذخ وترف، ولما كانت الحجرة الواحدة لا تكفى لذلك أخذ يضيف إليها حجرات أخرى وممرات، حتى إن واحدا من علية القوم كانت مقبرته تحتوى على أكثر من ثلاثين حجرة، وخص كلًّا منها برسوم معينة، إذ كان يعتقد أنه بقوة السحر يمكن أن يتمتع بما تمثله هذه الرسوم، ويرجع الفضل فى معرفتنا حياة المصرى القديم الاجتماعية والدينية من كل الوجوه لهذه النقوش، فنشاهد على جدران هذه المقابر أنواع القرابين التى كانت تقدم للمتوفى، وما كان يلهو به من صيد البر، والبحر، ومعيشته المنزلية وحقوله وما فيها من زرع مختلف ألوانه، ونوعه وكذلك الرياضة البدنية، وغير ذلك".
كذلك هناك كتاب مهم عنوانه "قصة الفن" لـ أرنست جومبرتش، النمساوى المولد والبريطانى الجنسية "1909 - 2001"، وللعلم الكتاب صدر فى سنة 1950، ويا للعجب لم يعرف طريقه للغة العربية إلا منذ سنوات قليلة، وبالتحديد فى عام 2012.
لا يوجد شىء اسمه الفن يوجد شىء اسمه الفنانون
يقول أرنست جومبرتش، فى مقدمة كتابه "قصة الفن"، والذى صدرت ترجمته عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، والتى قام بها عارف حديفة، مراجعة زينات بيطار، لا يوجد فى الحقيقة شىء اسمه الفن، بل يوجد فنانون فحسب، وهؤلاء كانوا ذات يوم أناسا تناولوا ترابا ملونا وخططوا صور ثور على جدار كهف، واليوم يشترى بعضهم علبة ألوان، ويصممون ملصقات للإعلان، وقد فعلوا ويفعلون أشياء كثيرة، لا ضير فى تسمية هذه النشاطات كلها فنا طالما حفظنا فى أذهاننا.
الكتاب يتناول تاريخ الفن فى سبعة وعشرين فصلا
يتناول الكتاب قصة الفن فى مقدمة، وسبعة وعشرين فصلا، كل منها فترة زمنية محددة من تاريخ الفن فى إطار واحد أو عدة سياقات، وفصل ختامى يلخص أحدث التطورات فى الفنون البصرية.
الفن بدأ من مصر ثم انتشر إلى العالم
يقول أرنست، فى الكتاب، يوجد شكل ما من الفن فى كل مكان فى العالم، غير أن قصة الفن بوصفها جهدا متصلا لا تبدأ فى كهوف جنوب فرنسا، أو بين هنود أمريكا الشمالية، فليس هناك تراث مباشر يربط هذه البدايات بأيامنا، لكن هناك تراثا مباشرا انتقل من المعلم إلى التلميذ، ومن التلميذ إلى المعجب أو الناسخ، وهذا التراث يربط الفن فى عصرنا، يربط أى منزل أو ملصق بالفن الذى نشأ فى وادى النيل منذ نحو خمسة آلاف عام خلت، ونحن سنرى أن معلمى الإغريق قد قصدوا مصر للتعلم، ونحن جميعا تلاميذ الإغريق، وعلى هذا فإن مصر بالغة الأهمية لنا، هكذا يرصد أرنست جومبرتش، الكاتب والمفكر والمؤرخ البريطانى، فى كتابه قصة الفن.
الفن المصرى إنسانى بامتياز
ويشرح أرنست جومبرتش، فكرة إنسانية الفن المصرى، فيقول إنه فى الماضى الغابر الكالح، جرت العادة أن يرافق الخدم والعبيد سيدهم القوى إلى قبره، وكان يضحى بهم لكى يصل إلى العالم الآخر مع حاشية مناسبة، وفيما بعد اعتبرت هذه الأعمال المروعة إما قاسية وإما مكلفة، فكان الفن هو المنقذ، حيث منح عظماء هذه المعمورة صورا وأبدالا عوضا عن الخدم.
الحضارة المصرية القديمة تهتم بالاكتمال
يقول الكتاب، إن الأعمال المصرية القديمة محيرة بعض الشىء، لأن الفنانين المصريين كانوا يصورون واقع الحياة تصويرا مختلفا جدا عن تصويرنا، إذ كانوا يهتمون أكثر ما يهتمون بالاكتمال وليس بالجمال، كانوا يرسمون من الذاكرة وفق قواعد صارمة تكفل لهم أن يبرز كل شىء داخل الصورة فى وضوح تام، كانت طريقتهم تشبه فى الحقيقة طريقة راسم الخرائط وليس طريقة الرسام.
الفنان المصرى لا ينقل بل يعرف دلالة الأشياء
ويرى أرنست جومبرتش، أن الفن المصرى لا يقوم، كما هو الحال دائما، على ما استطاع الفنان رؤيته فى لحظة معينة، بل على ما كان يعرف أنه يخص شخصا ما أو منظرا ما، ومن هذه الأشكال التى تعلمها وعرفها صنع تماثيله وتصاويره تماما مثلما صنع الفنان القبلى أعماله من الأشكال التى تمكن منها، والفنان لا يجسد فى الصورة معرفته للأشكال والهيئات فحسب، بل معرفته لدلالتها أيضا، نحن نصف أحيانا أحد الأشخاص بأنه رئيس كبير، والمصرى رسم السيد أكبر من الخدم، أو حتى أكبر من زوجته.
يقول المؤلف: لا شىء فى هذه الصور يشى بأنها اعتباطية، لا شىء يبدو وكأنه بالإمكان أن يكون فى مكان آخر أيضا، فتناول قلم ومحاولة نسخ إحدى هذه الرسوم المصرية "البدائية" أمر جدير بالعناء، وتبدو محاولاتنا على الدوام «خرقاء» وملتوية وغير متوازنة، إن إحساس المصرى بالنظام فى كل تفصيل قوى جدا، بحيث يبدو أن أى تنويع بسيط يقلبه بالكلية.
كيف غيّر إخناتون مقاييس الفن المصرى القديم؟
ويقول أرنست جومبرتش، لم يهز عرش الفن المصرى سوى رجل واحد من الأسرة الثامنة عشرة "الدولة الحديثة" هو إخناتون، الذى كان متمردا على التعاليم الدينية، لذلك تخلى عن عادات كثيرة مقدسة منذ أزمنة بعيدة، ورفض تكريم آلهة شعبه الكثيرة ذات الأشكال الغريبة، وذهب إلى أنه لا يوجد سوى إله واحد اسمه "آتون"، صورة على هيئة قرص شمس يرسل أشعته إلى الأسفل.
الفن والحياة فى مصر القديمة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة