أحوال الكون المادية من جماد ونبات وحيوان، وكذلك أحوال الإنسان النفسية والفكرية، رجلا كان أو امرأة، فردا أو أسرة، لعلها تساؤلات فلسفية يحاول البشر منذ فجر التاريخ إيجاد إجابة واضحة لها، وهو ما حاول الشاعر السورى الكبير الراحل فرنسيس فتح الله مراش، أحد شعراء عصر النهضة أن يجيب عنها، فى كتابة "مشهد الأحوال".
ويرى المؤلف أن حال الكون هو وجود لا حد له ولا مدى، وبدء ليس له ابتدا، يفوق طور العيان فلم يره بشر قط، ويسمو على إدراك الأذهان فلا يمثله إلا ذاته فقط، حتى إذا ما لمح كمالاته الممجدة، واستملح عنايته المؤبدة، أوحى إلى الأبواب السرمدية فانفتحت، وأوعز إلى غوامض الحركة فاتضحت، فاندفع الغبار الكوني من تلك المصارع الدهرية، وانتشر في هاتيك العرصات الأبدية، وإذ تبلبل ببعضه تسلح بالتجاذب، وحمل التحارب، فانطبق كل على قرينه بالالتصاق طبق إيعاز الخلاق، فنجمت العوالم الكروية، شموسًا وكواكبًا درية، وانطلقت ثانويات تلك الملاحم الكونية.
ويتحدث عن الإنسان بأنه أخضع الجميع تحت رياسته، وإذ أخذته جانحة الطمع، وغلبت عليه ملكة الولع، وهام بحب الذات وبالفوز على الذوات، ثارت الموجودات عليه بطبايعها، ونهضت ضده الأكوان بشرايعها، وأخذت تدافعه وتصارعه، وتطالبه الوجد وتنازعه.
أما عن حال الحيوان فيقول المؤلف "ولما استكملت الحياة اتقانه، وأحسنت القيام إحسانه، تحركت على الأرض فكانت حيوان، وانتقلت بالإرادة إلى كل عيص ومكان، فربض الوحش فى الأحجار، وسكن الطير في الأوكار، ونام السمك في الأبحار والأنهار، وهكذا سار البعض على الأربع وساح، والبعض خفق بالجناح على الرياح، والبعض في الماء سباح".
أما النبات فقال عنه فهب النبات من مرابضه الحيوية، وانتشر على سطح الكرة الأرضية، فتوج الجبال ووشح التلال، وظلل المنحدرات والوديان، وجلل السهول والقيعان، فتكلل الشجر بالسحاب، والتحف النبت بالضباب، وما زالت الطبيعة تفلح المثوى، والأرض تصلح المأوى، حتى تنوعت الأجناس وتحددت، وتفردت الأنواع وتعددت، فذهب النوع يحمي ذريته، والشخص يحفظ بنيته، فأعضاء تهتم بالتثبيت والتشييد، وأخرى تخدم للتوليد والتجديد، وأجزاء ترد غارات التقلبات، وآلات تردع طبائع المؤثرات، كتضعيف اشتداد الضو، وتلطيف كثافات الجو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة