ما نرصده اليوم، وفى هذه المساحة، عن الأسباب الجوهرية التى منحت إثيوبيا فرصة اتخاذ خطوات بناء سد النهضة، ليس من باب المكايدة، أو إلقاء الاتهامات جزافا، ولكن من الباب الواسع لإعلاء شن الحقيقة المجردة، وأمانة العرض.
إثيوبيا، ما كان في استطاعتها أن تضع حجرا صغيرا واحدا في نهر النيل للبدء في بناء سدها الذى تغير اسمه أكثر من مرة، حتى استقر على اسم النهضة، لولا أحداث 25 يناير 2011 وانغماس مصر في شأنها الداخلى، ومحاولة لملمة نفسها واحباط المخططات الهادفة لدفع البلاد في مستنقع الفوضى.
وبالفعل وجدت إثيوبيا في حراك يناير الفرصة الذهبية لبناء السد، وتأكد حدسها، وأن تقديراتها للموقف كانت صحيحة، عندما قرر نشطاء تشكيل وفدا مكونا من 48 شخصا، وتحديدا فى إبريل 2011، وأطلق عليه وفد الدبلوماسية الشعبية، لزيارة إثيوبيا، لبحث أزمة مياه النيل، وعلى الأخص بناء سد النهضة!!
تشكيل الوفد في إبريل 2011 إدراكا من استغلال أثيوبيا للظرف الثورى في مصر، وتحركها لبناء السد، وارتكب الوفد خطيئة سياسية، خلال لقائهم بالمسؤولين الأثيوبيين، عندما كال أعضائه كل الاتهامات والشتائم والسباب لنظام مبارك، واعتبروه نظاما خائنا، وأكدوا أن الوفد يمثل رموز ثوار ونشطاء يناير، وجاء في زيارة إثيوبيا لإصلاح ما أفسده النظام القديم!!
وبالطبع أشاد الرئيس الإثيوبي، حينذاك، بالثورة المصرية التى استمرت 18 يوما وكانت حاسمة فى إسقاط النظام، وعَبّر عن إعجابه بشباب الثورة، وقال: «نجحت ثورتكم وهو ما يؤكد أن لمصر حضارة ورقى»!!
بالطبع انتاب الوفد الثورى حالة من الأنا والغرور، فى حضرة الرئيس الإثيوبى الذى أشاد بدورهم العبقرى والعظيم فى إزاحة النظام، دون أن يدروا بأن إشادة الرئيس الإثيوبى بثورة يناير، وفرحته الشديدة بإزاحة النظام، إنما إشادة تجسد مصلحة إثيوبيا بالدرجة الأولى، وأن 25 يناير، تعتبر هدية وغنيمة كبرى لأديس أبابا لتنفذ مخططها بإقامة عدد من السدود على نهر النيل.
المشين، أن الوفد والذى كان يضم رموز يناير، قدم اعتذارا مذلا للرئيس الإثيوبى، ولا نعرف، سببا واحدا لهذا الاعتذار الذى كان بمثابة الضوء الأخضر للإدارة الإثيوبية أن تستمر فى بناء سد النهضة، مستغلة انهماك جيش مصر فى الشأن الداخلى للحفاظ على البلاد من السقوط فى وحل الفوضى.
ولم يقتصر الأمر على حد زيارة الوفد الذى تزعمه حمدين صباحى، لتقديم الاعتذار المذل، والتنازل عن حقوق مصر التاريخية وحصتها فى مياه نهر النيل، ولكن دعمتها خطوة أخرى تمثلت فى زيارة الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء حينذاك إلى إثيوبيا، ليضفى على زيارة الوفد الشعبى، واعتذاره المذل، الشرعية الرسمية، وأكد من أديس أبابا رغبة القاهرة فى التعاون مع إثيوبيا من منظور التكامل وتدعيم المصالح المشتركة فى شتى المجالات، وعدم الممانعة من بناء السدود!!
التأكيد الثالث، هو ما ورد على لسان، رئيس الوزراء الإخوانى، هشام قنديل أمام البرلمان، وبعد تكليفه رئيسا للحكومة، بأن بناء السد بدأ مع حراك 25 يناير، وظهر البناء بوضوح في إبريل 2011 وهى كلمة مسجلة، يمكن لأى شخص البحث عنها والاستماع لها على "اليوتيوب".
وفى قلب للحقائق وتشويهها، تأتى جماعة الإخوان الإرهابية، وكهنة الثورة الينايرية ليوجهوا سهام اتهاماتهم للنظام الحالى، بأنه وراء بناء سد النهضة، وهى مغالطة وقحة وحقيرة، فالرئيس السيسى تولى رئاسة مصر فى منتصف 2014، أى بعد مرور 3 سنوات كاملة من إندلاع حراك 25 يناير، وزيارة الوفد الثورى لإثيوبيا، وتقديمه اعتذارا مذلا، كان بمثابة الضوء الأخضر لبناء سد النهضة!!
فأى عدل يستقيم بأن توجه اتهامات لمسؤول جاء بعد وقوع الكارثة بثلاث سنوات كاملة؟! فى الوقت الذى لا يتم فيه محاسبة كل من تسببوا فى انغماس البلاد فى شأنها الداخلى، وتركوا إثيوبيا تنفذ مخططاتها، وتستغل الظرف التاريخى التى تمر به مصر وتنتهز اعتذار الوفد الثورى بسلامته، ومؤتمر الفضيحة للمعزول محمد مرسى ورفاقه الذى أذيع على الهواء مباشرة، لتمضى وبسرعة فى بناء السد؟
وهل وجماعة الإخوان الإرهابية وكهنة يناير، يعتبرون المصريين معاقين ذهنيا يمكن الضحك عليهم بسهولة وخداعهم أكثر من مرة بذات السيناريو؟! المصريون أثقلتهم تجربة 10 سنوات كاملة من أحداث سياسية وتقلبات أمنية واقتصادية، فاقت كل توقعاتهم وسقف خيالهم فزادت من قريحتهم ورفعت منسوب وعيهم فى التقييم، وعدم الوقوع فى براثن الخديعة من جديد!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة