لقد اهتم الإسلام بالإنسان، ووضع الضوابط لحمايته، ليحيا حياة هنيئة ويفوز برضا الله عليه، وقد ضمن الله لمن اتبع أوامره وهداه أن يعيش فى راحة دون عناء أو مشقة، يقول الله تعالى: «فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى».
ومما عنى به الإسلام ليكون الإنسان حكيما فى قراراته ترشيد السلوك الاستهلاكى، فلم تحرم الشريعة الإنسان من الاستهلاك بالدرجة التى تجيعه، ولم يمنحه الشبع بالدرجة التى تطغيه، وإنما وجهت الشريعة إلى أفضل إشباع ممكن لحاجياته، فوضعت له مجموعة من الضوابط الشرعية التى إذا ما التزم بها أشبع حاجاته المادية والمعنوية على السواء، فبين الإسلام له الطيبات وأحلها له وأمره بالإنفاق فيها، وأرشده إلى الأولويات التى يجب مراعاتها عند الإنفاق، فيشبع الضروريات، ثم الحاجيات، ثم الكماليات، وأمره مع ذلك كله بالتزام الاعتدال والوسطية، فنهاه عن الإسراف والتبذير والترف والبذخ، ونهاه عن الوقوع فى المحرمات والخبائث.
وأسجل هنا أن الإسلام حين يدعو إلى ترشيد الاستهلاك فإنه لا يقصد بذلك حرمان الإنسان من الطيبات التى أحلها الله، بل إن الإسلام يدعو إلى الاستمتاع بالطيبات، بل وينكر القرآن أشد الإنكار على من يحرم ذلك، فيقول تعالى: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، ولكن ينبغى أن نلاحظ أن القرآن فى الوقت الذى يبيح فيه للإنسان أن يتناول من الطيبات ما يشاء فإنه يأمر كذلك بالاعتدال وعدم الإسراف.
وإذا ما التزم الإنسان القصد والتوسط والاعتدال فى الاستهلاك، فيمكن أن يوفر كثيرًا مما يضيع بلا فائدة، ويوجهه إلى جانب آخر من جوانب الحياة.
وتبدأ عناية الشرع بترشيد الاستهلاك بدءًا من النظرة إلى المستهلك، فالمستهلك فى نظر الفكر الاقتصادى الإسلامى، هو: «المنفق وقته وجهده وماله لإشباع حاجاته الروحية والمادية، طبقًا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية».
وأما أهل الاقتصاد الوضعى فينظرون إلى المستهلك على أنه مجرد إشباع لحاجات الإنسان، يترتب على استخدامه للسلع والخدمات الاستهلاكية، فالمستهلك من وجهة نظرهم هو من يشبع حاجاته بإهلاك السلع، فالاستهلاك عندهم إهلاك دون نظر لمرجعية تحكم سلوكه وإنفاقه.
وإضافة إلى ذلك فإننا لا ينبغى أن نتوقف فى نظرنا إلى الاستهلاك على أنه إهلاك للسلع، وإنما ينبغى أن ننظر إلى جانب الإنتاج المرتبط بالاستهلاك، فالإنسان عندما يبذل الجهد فى عمليات الإنتاج، فإنه يحتاج إلى استهلاك بعض السلع الغذائية، مثلا لتعويض ما فقده الجسم بسبب هذا الجهد، وهذه العملية فى الحقيقة ليست إهلاكا للسلع التى استخدمها، وإنما هو استهلاك يرفع من قدرة الإنسان على بذل المزيد من الجهد، وإنتاج المزيد من السلع.
وإذا ما انتقلنا إلى استهلاك الإنسان للسلع الأخرى، كالأدوات المنزلية والملبس والمسكن وغيرها، فإنه استهلاك ييسر للإنسان سبل الحياة. مما يجعله قادرًا على المزيد من العمل والإنتاج.
وبناء على ذلك فالاستهلاك هو عملية استثمار وإنتاج للجهد البشرى، وهذا المفهوم هو الذى اعتمده الاقتصاد الإسلامى.
ومن هنا يختلف مفهوم الاستهلاك فى الفكر الإسلامى عنه فى الفكر الاقتصادى الوضعى.
فالفرد فى الإسلام لا يستهلك إشباعا لرغباته فقط، وإنما تحقيقا لهدف أسمى وهو عبادة الله، والتى من أهمها حرص المسلم على العمل وتحسين الأداء والإنتاج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة