حالة من الزخم تشهدها العديد من القضايا الإقليمية، في المرحلة الراهنة، وعلى رأسها الأزمة الليبية، والوضع في سوريا، ناهيك عن قضية سد النهضة، في إثيوبيا، وغيرها، ربما دفعت إلى دائرة من القلق، مع تصاعد كل أزمة من الأزمات، خاصة تلك التي ترتبط بصورة مباشرة مع الأمن القومى المصرى، وهو القلق الذى يجد ما يبرره، إثر مخاوف كبيرة من عودة "كابوس" الفوضى، وعدم الاستقرار، بعدما نجحت الدولة المصرية في تجاوزه، بعد سنوات صعبة في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربى"، والتي توقفت خلالها الحياة تقريبا لسنوات، قبل أن تدب من جديد مع ثورة 30 يونيو، والتي نجحت ليس فقط من إنقاذ الوطن من مصائر أخرى شهدناها في دول أخرى، وإنما في إعادة قيم ربما فقدناها لعقود، سبقت الفوضى، وربما ساهمت في اندلاعها، وأهمها قيمة الأمل والعمل والطموح في مستقبل أفضل.
ولعل الأزمات التي أحاطت بمصر، وارتبطت بها مباشرة، كانت جزءً لا يتجزأ من مؤامرة دولية، استهدفت الأمن القومى، عبر تصدير المشكلات الحيوية، من قبل قوى إقليمية، سعت لتقديم نفسها على مقعد القيادة، بحيث تكون تلك الأزمات بمثابة "ضربات قاضية" للمارد الإقليمى، من خلال تقديم الدعم لبناء سد النهضة في إثيوبيا، في أحلك لحظات الضعف عقب أحداث 25 يناير مباشرة، تزامنا مع تطويق الأراضى المصرية بالميليشيات الإرهابية، سواء في سوريا أو ليبيا، وحتى الأراضى العراقية، ناهيك عن محاولة تفجير الجبهة الداخلية من خلال أبواق إعلامية محرضة، تهدف إلى إشعال نار الغضب في الداخل، لتصبح الدولة المصرية شبه محاصرة بالأزمات، فلا يمكنها البحث عن دور إقليمى أو دولى، وبالتالي فيخلو المجال أمام المنافسين لتقديم أنفسهم أمام العالم باعتبارهم قيادات موثوقة للإقليم.
وهنا يمكننا القول بأن التحرك المصرى، منذ ثورة 30 يونيو، اتسم بقدر كبير من المرونة والكفاءة، للتعامل مع أزمات الجبهة الداخلية، بالتزامن مع التهديدات الخارجية، وهو ما يبدو في التركيز على التنمية، عبر المشروعات الجبارة التي تحققت على أرض الواقع في غضون سنوات معدودة، في الوقت الذى تمكنت فيه الدبلوماسية المصرية، تجاوز العديد من التهديدات الأخرى، ومواجهة خصومها بكفاءة دبلوماسية، تحميها قوة عسكرية جبارة، يدركها القاصى والدانى، مما دفع بعض الدول التي كثيرا ما سعت نحو الإضرار بالمصالح المصرية إلى التراجع، خاصة فيما يتعلق بالعديد من القضايا التي ترتبط مباشرة بالأمن القومى المصرى، والتي تدخلت فيها مصر بصورة مباشرة لإنهائها وفرض رؤيتها، فلم يكن أمامهم خيارا أخر سوى الالتزام، لأنهم يدركون جيدا عواقب أي تعنت محتمل.
ولعل التهديد مازال قائما تجاه بعض القضايا التي مازالت لم تحسم بعد، على غرار قضية سد النهضة، وهو ما يدفع البعض إلى القلق، والذى يبدو مشروعا، إلا أن ثمة حالة من الثقة تولدت لدى المواطن العادى في قدرة المؤسسات المصرية على فرض رؤيتها، عبر الدبلوماسية البناءة، والتي تقوم في الأساس على إقناع العالم بمشروعية "الحق المصرى"، وهو الأمر الذى سبق وأن نجحت فيه الدولة، فيما يتعلق برؤيتها في الحرب على الإرهاب، وحقها في دحض أي تهديد للأراضى المصرية، وهى الرؤية التي اقتنع بها العالم أخيرا، ربما بعدما اكتوى قطاع كبير من الدول، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، من نار الإرهاب.
نجاح مصر المنقطع النظير في تصدير رؤيتها للعالم، وإقناعه بخطورة الإرهاب، بعد مراوغات دامت لسنوات طويلة، وبالتالي حقها في الدفاع عن نفسها، ضد ما يهدد أمنها، يبقى خلفية مهمة لكل مواطن مصري، في قدرة مؤسساته التي تعمل من أجل تحقيق أهدافها، والتي تتمركز في الأساس حول تحقيق مصالحه، باعتباره المركز الذى تدور حوله كافة سياسات الدولة، سواء في الداخل، أو الخارج، وهو الأمر الذى يساهم في تعزيز حالة من الثقة بين المواطن وقيادته الحاكمة، ربما غابت لعقود طويلة، وآن الأوان لاستعادتها والبناء على ما تحقق من إنجازات لنكون جميعا صفا واحدا خلف الدولة المصرية التى تجمع كل المواطنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة