مع إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن عزمه السحب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل، ترددت الأسئلة عما إذا كانت الولايات المتحدة تخرج من هذه الحرب التى استمرت نحو 20 عاما منتصرة أم مهزومة.
وتقول صحيفة واشنطن بوست إن ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة تعهدوا بتحقيق الفوز الحاسم فى أفغانستان، دون أن يضعوا رؤية لهذا الانتصار، حتى جاء الرئيس جو بايدن وأعلن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية بحلول سبتمبر المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد أربعة أيام على غزو أمريكا لأفغانستان، ظهر الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش فى الغرفة الشرقية للبيت الأبيض فى مؤتمر صحفى لمخاطبة الأمريكيين الذين كانوا يعيشون فى خوف وغضب بسبب هجمات سبتمبر. وعلى الرغم من أن أغلب الأمريكيين أيدوا قرار بوش بالذهاب إلى الحرب، كانت هناك شكوك واسعة حول الكيفية التى سيتكشف بها الصراع وإلى مدى يمكن أن يستمر.
وسعى بوش وقتئذ إلى طمأنة الأمريكيين بأن المسئولين تعلموا الدروس الصعبة من الماضى، وأنهم عازمين على عدم التورط فى حرب غير محددة فى أرض بعيدة. وعن الفترة المتوقعة للحرب، لم يقدم بوش إجابات محددة، لكنه وعد بالانتصار، وقال إن هذه المعركة على وجه التحديد ستدوم حتى تقدم القاعدة للعدالة، قد يحدث هذا غدا، وربما بعد شهر من الآن، أو بعد عام أو عامين، لكننا سننتصر.
لكن من البداية، لم تحدد الحكومة الأمريكية أبدا شروط الانتصار. ومع إعلان الرئيس جو بايدن، الأربعاء، الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل، فإن السؤال الذى ليس له إجابة يتعلق بالنتيجة التى تصورها ثلاثة رؤساء أمريكيين عندما تعهدوا مرارا بالفوز بهذه الحرب.
فقد كان الهدف فى البداية تدمير القاعدة وضمان ألا تستخدم الجماعة الإرهابية أفغانستان كقاعدة لشن هجوم إرهابى كبير آخر على الولايات المتحدة. لكن فى غضون ستة أشهر، تم تحقيق الهدف، وقتل قادة القاعدة أو تم أسرهم أو فروا من أفغانستان.
وبدلا من إعلان إنجاز المهمة، قام بوش بتوسيعها، وأعلن فى إبريل 2002 عن أهداف عسكرية وسياسية جديدة، وأن الولايات المتحدة ستساعد حلفائها الأفغان فى بناء دولة حديثة مع ديمقراطية مستقرة وجيش إقليمى قوى ورعاية صحية أفضل ونظام جديد للتعليم العام للصبية والفتيات على حد السواء. ولم يقدم بوش معايير لتحقيق هذه الأهداف أو إشارة على المدة التى يجب أن تبقى فيها القوات الأمريكية، وقال إنهم باقون حتى تنتهى المهمة.
ووضع الرئيسان الأمريكيان اللاحقان، باراك أوباما ودونالد ترامب، نفسيهما فى نفس المأزق، وتعهدا مثل بوش بالفوز فى أفغانستان، مما رفع التوقعات بانتصار عسكرى حاسم على عدو مهزوم.
لكنهم تجاهلا تحديد ما الذى تحتاج القوات الأمريكية لتحقيقه قبل أن يستطعوا العودة لوطنهم، ولم يحددوا أبدا بشكل واضح ما الذى تحاول الولايات المتحدة هزيمته. هل كان العدو القاعدة أم طالبان: وماذا عن الفصائل المسلحة الأخرى فى أفغانستان التى هددت البلاد؟
وقال الجنرال دان ماكنيل، الذى خدم فترتين كقائد للقوات الأمريكية فى أفغانستان خلال سنوات بوش، إن نهاية اللعبة كانت مبهمة دائما.
وقال ماكنيل لاحقا لمسئولى الحكومة، إنه حاول دائما أن يجعل شخص ما يحدد له ما الذى يعينه تحقيق الانتصار، ولم يستطع أحد أن يحدد له.
ومع استمرار الحرب، ظل المسئولون الأمريكيون يصرون على أنهم يحققون الفوز حتى وإن كانت الأدلة توحى بعكس ذلك. وفى السر، أعربوا عن شكوك كبير.
فكتب وزير الدفاع الأمريكى الأسبق دونالد رامسفيلد فى مذكرة سرية للعديد من كبار قادة البنتاجون فى أكتوبر 2003 يقول: هل نفوز أم نخسر الحرب العالمية على الإرهاب".. وخلص قائلا: من الواضح جدا أن التحالف يمكنه الفوز فى أفغانستان والحربق بطريقة أو بأخرى، لكنه سيكون طريق طويل وصعب.
وبحلول عام 2006، استعادت طالبان بشكل ثابت القوة، وصعدت من حملتها من حرب العصابات، وزادت الشكوك.
فكتب السفير الأمريكى فى أفغانستان رونالد نيومان فى 29 أغسطس 2006، يقول "إننا لا نفوز فى أفغانستان"، وأضاف أن هناك تصور أفغانى واسع بأن الانتصار يتلاشى. لكن فى العلن، واصل المسئولون الأمريكيون إعلان العكس، وقال قائد القوات الأمريكية فى أفغانستان فى هذا الوقت كارى إيكنبرى لشبكة ABC News، وبعد يومين فقط من كتابة برقية متشائمة، "نحن ننتصر". ولدى سؤاله حول ما إذا كان من الممكن أن تخسر الولايات المتحدة الحرب، قال إن الخسارة ليست خيارا فى أفغانستان.
وعندما تولى أوباما الحكم عام 2009، اعترف المسئولون الأمريكيون بأنهم يواجهون تمردا متفاقما. وأعلن الرئيس الجديد إستراتيجية واسعة لإرسال الآلاف من القوات الإضافية إلى أفغانستان، وإرسال عشرات المليارات من الدولارات لبناء الحكومة فى كابول. وقال فى مارس 2009، للإرهابيين الذين يعارضوننا، رسالتى هى نفس الشىء، سنهزمكم. لكن أحدا فى إدارته لم يحدد معنى الانتصار أيضا.
وأصبح مسئولو أوباما محاصرين، فمن ناحية بدأوا الاعتراف بأن الانتصار العسكرى الصريح غير مرجح، وأن الطريقة العملية الوحيدة لإنهاء الصراع هو التوصل لحل سياسى. ومن ناحية أخرى، حاول جنرالات أوباما دفع طالبان للخضوع بدلا من تشجيع الدبلوماسية.
ووعد أوباما بسحب كل قواته من أفغانستان بنهاية فترته الثانية، لكن تراجع وأمر ببقاء 8400 من القوات عندما بدا واضحا أن قوات الأمن الأفغانية غير قادرة على مواجهة طالبان وحدها.
وعندما وصل ترامب للحكم، أعلن وزير دفاع جيم ماتيس إنهم لا يحققون الفوز فى أفغانستان، وهو ما أغضب ترامب الذى أوضح للبنتاجون انه لن يتسامح إزاء خطاب الهزيمة.
وأعلن ترامب أن قواته ستحارب حتى تفوز، وقال إن الانتصار سيكون له معنى واضح، وهو مهاجمة العدو،وسحق القاعدة ومنع طالبان من الاستيلاء على أفغانستان، ووقف الهجمات الإرهابية قبل ظهورها.
لكن بموجب إستراتيجيته، كانت القوات الأمريكية تحاول إضعاف طالبان مجددا لكسب نفوذ سياسى فى محادثات السلام، بدلا من تحقيق انتصار عسكرى صريح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة