لو حاولت أن تصل إلى عنوان معين فإن رقم البيت المقصود هو أول المعلومات المطلوبة، لكن متى بدأت حكاية ترقيم البيوت؟، نستعرض فى هذا التقرير ما يقوله كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان فى هذا الأمر.
يقول الكتاب:
ترقيم المنازل
لك أن تتخيل معي المشهد الآتى..
الزمان: قبل عام 1847
المكان: شوارع المحروسة
الحدث: أسرة قادمة من الريف تبحث عن منزل أحد معارفها.. كل المعلومات التى تملكها عن هذا الشخص اسمه؛ بحُكم أنه من الأقارب، ومكان سكنه بولاق.. وبولاق جغرافيًّا امتداد واسع مكون من مئات الشوارع وعدة ألوف من المنازل.. تنتقل الأسرة من شارعٍ إلى آخر تسأل عنه، وتصفه لسكان الشارع.. ربما يصادف أن يعرفه أحدهما، وأن يكون الشخص هو المقصود وليس هناك تشابه فى الأسماء، فـ"محمد الجرجاوى" - مثلا - في بولاق ليس واحدًا.. الجرجاوي نسبة إلى بلده جرجا، وكان دارجًا أن ينسب الشخص إلى بلدته، ومحمد من الأسماء الشائعة، وكم من جرجاوى يسكن بولاق واسمه محمد!!.. تبدأ رحلة البحث من النهار وتمتد لساعات طويلة، والليل على وشك أن يخيم على المدينة، والصبر في رحلة نفاده.. يتبرع بعض أهل المروءة بالبحث مع الأسرة.. كلما زاد الباحثون زادت فرصة الوصول.. الوقت يمر، والأقدام هلكت من التنقل.. الوصول واللاوصول.. الفرص بدأت متساوية، ومع مرور الوقت نسبة اللاوصول في زيادة.
في عام 1847أحس مجلس منظمة المحروسة بهذه الإشكالية.. بعد أن زادت معاناة الأهالي، وكثرت الشكاوى، ونادى البعض بضرورة إيجاد حل، فرفعوا الأمر إلى والي مصر محمد علي باشا للبَتّ فيه، مع توصية من مجلس منظمة المحروسة بضرورة كتابة أسماء للشوارع وترقيم للمنازل.. أصدر محمد علي باشا مرسومًا نُشرَ في العدد 83 بمجلة الوقائع الرسمية بكتابة أسماء الشوارع وترقيم المنازل، وجاء فيه "مما يستوجب المنافع العظيمة، ويورث السهولة لمن يقصد شارعًا، أو بيتًا، سواء من الأهالي أم من الأجانب".
أسرع رجال مجلس منظمة المحروسة بتنفيذ المرسوم، واتخذوا ميدان باب الخلق مركزًا للمحروسة، ووضعوا لافتات بأسماء الشوارع في مداخلها، وراعوا أن نسبة الأمية عالية بين الأهالي، فميزوا لوحات الشوارع بالألوان.. هذا الشارع لوحته سوداء، وذلك لوحته بيضاء.. أما المنازل الموجودة يمين الشارع أرقامها فردية، والمنازل الموجودة يسار الشارع زوجية، وهذا الترتيب ما زال مستخدمًا حتى الآن، وكانت الأرقام تُكتَب على الأبواب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة