من أصعب ما يواجه المخرج وفريق أى عمل فنى أن يقدموا للناس أحداثًا عايشوها وكانوا شهداء على تفاصيلها وجزءًا منها، وأن يكون هذا العمل مجسدًا لأحداث فارقة مر بها الوطن وشعبه فى وقت قريب وسيبقى لأجيال ترى فيه هذه الأحداث كلما عادوا ليشاهدوا هذا العمل وتفاصيله وكيف تناول هذه الأحداث الخطيرة، التى تشعبت أحداثها وتداخلت وعمت أرجاء مصر وكل محافظاتها.
كان هذا أكبر تحدٍ أمام صناع مسلسل الاختيار 2، كيف تنقل أحداثاً متلاحقة شاهدها الناس فى كل أرجاء مصر وكيف تتعامل مع التفاصيل الخطيرة والأحداث الفارقة ومنها فض اعتصامى رابعة والنهضة وما شهدته مصر من إرهاب فى كل المحافظات وحرق للكنائس واعتداءات على أقسام الشرطة، وكيف تبرز المجزرة البشعة التى حدثت فى قسم شرطة كرداسة والوحشية التى تم بها التعامل مع ضباط القسم والعاملين فيه ، كيف يستطيع هذا العمل الملحمى والذى سيبقى لأجيال ربما تعرف منه جزء مما حدث خلال هذه الفترة أن يوازن بين كل هذه الامور وأن ينقل كواليس القرارات والخطوات التى اتخذها الجيش والشرطة للتعامل مع المخاطر التى أحاطت بمصر فى أسوأ فترة من تاريخها ، بل كيف تمزج بين الأحداث والمشاهد الحقيقة وبين مشاهد الدراما وكأنهما نسيج واحد.
ولكن استطاع صناع مسلسل الاختيار التعامل بذكاء مع كل هذه الصعوبات التى تواجه هذا العمل الملحمى وأن يوازنوا بين الأحداث ويقدموا إجابات عن العديد من الأسئلة التى قد تكون غابت عن البعض.
استطاع صناع المسلسل ومخرجه بيتر ميمى والكاتب هانى سرحان وأبطاله وكل المشاركين فيه أن يصنعوا ملحمة فنية بذكاء شديد ومجهود شاق، وأن يقدموا صورة حقيقية لما كان يحدث على أرض مصر خلال هذه الفترة.
تمكن المخرج المتمكن بيتر ميمى من الانتقال بين ما كان يحدث فى القاهرة وفى سيناء من مواجهات بسلاسة وذكاء شديد، وأن يوازن بين الأكشن والدراما، واستطاع المؤلف هانى سرحان أن يقدم من خلال الحوار الاختلاف والصراعات الفكرية التى سادت خلال هذه الفترة سواء فى محاولات الجماعة الإرهابية لاستقطاب ضحاياها وتزييف الوعى والذى رأينا جزءًا منه فى مشاهد اعتصام رابعة، أو فيما كان يجرى من مناقشات بين القيادات الأمنية والضباط فيما يخص كيفية التعامل مع المخاطر التى يواجهها الوطن والمناقشات التى دارت قبل فض اعتصامى رابعة والنهضة.
ومنذ بدأ مسلسل الاختيار حلقاته استطاع أن يجذب انتباه المشاهدين وأن يحظى بنسب مشاهدة عالية لأنه استطاع أن يوازن بين الأحداث وأن يحظى بثقة المشاهد ، وأبدع أبطال العمل والمشاركين فيه وعلى رأسهم كريم عبدالعزيز وأحمد مكى فى أدوارهم بشكل كبير، وتصاعدت الأحداث بشكل متوازن وطبيعى حتى وصلت إلى التحدى الأكبرفى الحلقة الخامسة من المسلسل والتى انتظرها الملايين بفارغ الصبر، ليروا كيف سينقل المسلسل هذه الأحداث الخطيرة وكيف سيتم التعامل مع كل التفاصيل الكثيرة، ففريق العمل سيكون أمام 100 مليون ناقد ومحلل وشاهد على الأحداث، وكان القرار الصائب والحكيم لمجلس إدارة المتحدة للخدمات الإعلامية بأن تذاع هذه الحلقة المنتظرة دون فواصل إعلانية لأهميتها وشدة انتظار الجمهور لها.
وبالفعل استطاع الاختيار 2 وبشكل شديد الإتقان أن يتعامل مع هذه الأحداث وأن يجتاز هذه المخاطر برؤية فنية شديدة الإبداع، يتضح فيها مدى الجهد الشاق المبذول فى هذا العمل على كل المستويات، والذكاء فى التعامل مع الأحداث ونقل هذه المشاهد التى شعر أمامها الملايين أنهم استعادوا ما عاشوه بالفعل خلال هذه الفترة.
استطاع صناع الاختيار 2 فى حلقة واحدة أن يقدموا صورة لما حدث فى فض اعتصام رابعة، باستخدام مشاهد حقيقة موثقة، وأن ينقل المشاعر الملتبسة والمتصارعة والمتسارعة، كيف بدأ الفض ومن أين بدأ العنف وسقوط أول شهيد من صفوف الأمن ، كيف تصرف قيادات الإخوان، وكيف تورط ضحايا الأفكار المسمومة ، وكيف جسد الحوار ومشاهد لم تستمر سوى دقائق على الشاشة كيف تعرض ضحايا الجماعة الإرهابية لعمليات غسيل مخ، ومنطق الجماعة فى إقناع ضحاياها باستخدام العنف، يكفى أن ترى مشاهد " الشيخ الخطيب" الذى غسلت الجماعة مخه حتى أمسك بالسلاح وتم قتله.
وبذكاء شديد ومونتاج محترف تمت الاستعانة بالمشاهد الحقيقية فى فض اعتصام رابعة وبأصوات وخطابات قيادات الجماعة الإرهابية وهم يحرضون على العنف، واستخدام الأسلحة والمتفجرات وما حدث من اعتداءات القناصة فى عمارة المنايفة بما أعطى صورة واقعية لما حدث.
وبالتوازى نقلت أحداث الحلقة الخامسة من مسلسل الاختيار عمليات الاعتداء على الكنائس وأقسام الشرطة ، وكان مشهد الاعتداء على الجندى المكلف بحراسة الكنيسة وتمسكه بسلاحه رغم شدة العنف الذى تعرض له وعبارته القوية "مش هسيب سلاحى" مشهدا عبقرياً جسد فى لحظات قليلة عقيدة المجند المصرى وتضحيته وإصراره على اداء واجبه حتى أخر نفس، وفى نفس المشهد يظهر الحالة التى كانت عليها قوات الأمن فى التعامل مع هذه الأحداث الملتهبة ومحاولة حماية المدنيين ، وهو ما ظهر فى مشاهد الفنان كريم عبدالعزيز وهو يحاول التعامل مع الفوضى أمام الكنيسة.
وكان من أصعب المشاهد والتحديات أن تنقل نفس الحلقة المجزرة التى حدثت فى قسم كرداسة أثناء عملية فض رابعة، حيث كان فريق العمل أمام مجزرة وحشية لا يمكن نقل تفاصيلها الواقعية على الشاشة بشكل يطابق الواقع، وخاصة ما يخص تفاصيل استشهاد اللواء الشهيد محمد جبر مأمور قسم شرطة كرداسة، والذي جسد دوره ببراعة شديدة الفنان أشرف عبد الباقي الذى ظهر فى دقائق قليلة ولكن كان دوره وظهوره من أكثر المشاهد المؤثرة فى المسلسل.
استطاع المخرج أن يبرز هذه المجزرة بمشاهد وكلمات رمزية دون أن يعرض كل التفاصيل مراعاة لأهالى الشهداء ولقسوة هذه المشاهد ، ولكنه أظهر بشاعة ما حدث بذكاء من خلال تجسيد محاولة الشهيد محمد جبر انقاذ العاملين معه بالقسم فطالبهم بارتداء ملابس ميرى ومحاولة الإفلات من المجرمين قبل اقتحام القسم، ولكنهم رفضوا، وما قامت به السفاحة الإرهابية " سامية شنن" التى أعطت الشهيد ماء النار ليشربه وهو يصارع الموت.
نجح صناع مسلسل الاختيار فى اجتياز كل التحديات والاختبارات الصعبة التى واجهتهم لتجسيد أصعب الأحداث التى مرت بها مصر فى حلقة واحدة بذكاء وإتقان شديد أظهر حجم الفوضى والمخاطر التى عاشتها مصر واستطاعت اجتيازها ببطولة شعبها وجيشها وشرطتها، فتحية لصناع هذا العمل المحكم وللجهد الكبير الذى بذله كل فريق العمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة