قال مرصد الأزهر فى تقرير له أصدرته وحدة الرصد باللغة الأردية والتى تعنى برصد كل مظاهر التطرف والعنف والإرهاب فى سياق اللغة الأردية بالمقام الأول، وكذلك الممارسات غير الإنسانية التى تُمارس ضد الأفراد باسم الدِّين أحيانًا، وباسم الأعراف والتقاليد أحيانًا أخرى فى هذا السياق، إن"واني" هو عُرف سائد فى أفغانستان، وبعض مناطق باكستان يُستخدم فى حلِّ النزاعات الثأرية بين قبيلتين، تُمنح بمقتضاه فتاة أو طفلة -قسرًا- كنوع من العقاب على الجرائم التى ارتكبها أحد أفراد عائلتها الذكور، بقرار من مجلس شيوخ القبائل (جيركا)، ولتلك العائلة أو القبيلة أن تفعل فى الفتاة كما شاءت.
وعرف "واني" هو عرف غير إنسانى قديم جدًا، تم تطبيقه منذ ما يقرب من 400 عام، عندما خاضت قبيلتان من قبائل "البشتون" حروبًا دموية سقط فيها حوالى 800 قتيل، فى هذا الوقت حاول مجموعة من عقلاء القبائل حلَّ هذا النزاع، فتمت الدعوة إلى انعقاد مجلس شيوخ القبائل "جيركا" للفصل فى هذا النزاع، والذى قرَّر بدوره منح فتيات من القبيلة التى وقع عليها العقاب، للزواج قسرًا من رجال القبيلة الأخرى، بدلًا من القصاص بالقتل، ورأوا أن هذه هى الطريقة الوحيدة لحلِّ هذا النزاع. ومنذ ذلك الحين يتم توارث عرف "واني" جيلًا بعد جيل حتى وقتنا الحاضر.
ورغم مرور أربعة قرون فإن هذا التقليد البربرى لا يزال يمارس فى مناطق مختلفة من إقليم السند وبلوشستان وخيبر بختونخوا، وله مسميات مختلفة، ووفقًا لأحد التحقيقات فإنه من ضمن أسباب لجوء البعض إلى مجلس شيوخ القبائل، وما إلى ذلك من المحاكم العرفية، ضعف النظام القضائي؛ حيث يطول أمد المحاكمات القضائية الرسمية بينما يحكم مجلس شيوخ القبائل "جيركا" بشكل فوري. وبالتالى فإن أكثر ضحايا هذا العرف القاسى من الأطفال، الذين ينتمون إلى عائلات فقيرة، وقد يصل الأمر إلى أن تُعطى طفلة رضيعة باسم هذا العرف، وفى أغلب الأحوال تُزوَّج تلك الفتيات الصغار إلى رجل طاعن فى السن.
ووفقاً لمرصد الأزهر فإن "واني" ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
الأول- "واني" من طرف واحد: وفيه تعطى فتاة من إحدى العائلات إلى عائلة أخرى، وغالبًا ما تمارس ضدها أشكالا متعددة من العنف قد تصل إلى حد القتل؛ فعلى سبيل المثال، فى السادس عشر من يونيو لعام 2005 تعرضت إحدى ضحايا "واني" فى منطقة "كوت سلطان" جنوبى البنجاب للضرب من قبل زوجها والذى أسفر عن موتها، وقد قرَّر مجلس شيوخ القبائل فى المنطقة إعطاء أخت الجانى إلى أخ الضحية.
الثاني- "واني" ثنائى متبادل: وفى هذا النوع يتم تبادل الفتيات بين العائلتين؛ وفى بعض الحالات عندما تتعرض إحدى الفتيات للاعتداء، يتم الرد من قبل عائلتها بالمثل على الفتاة التى لديهم.
الثالث- هو "واني" ثلاثي: ويتم خلاله إجبار إحدى العائلات على إعطاء أكثر من فتاة ومبلغ من المال.
وتالع المرصد فى تقريره أن أشهرحالات لعرف "واني" كانت فى عام 2008، حيث وقع نزاع ثأرى طويل الأمد بين قبيلتين فى منطقة نائية من إقليم بلوشستان، أسفر ذلك النزاع عن مقتل 19 شخصًا من بينهم خمس سيدات، وفى النهاية تمَّ حلُّ النزاع بتسليم 15 فتاة تتراوح أعمارهن بين ثلاث إلى عشر سنوات؛ من أجل الزواج القسري.
وفى عام 2012، أُجبرت 13 فتاة تتراوح أعمارهن بين 4 و16 عامًا، على الزواج لتسوية نزاع بدعوى القتل بين عشيرتين فى باكستان. تمت محاكمة القضية من قبل مجلس شيوخ القبائل "جيركا" وكان قرار المجلس "واني" وهو أمر يقضى بتسليم الفتيات الـ 13 كزوجات لقبيلة المجنى عليه، وكل ذلك بسبب جريمة ارتكبها رجلٌ واحدٌ لم يتم العثور عليه للمحاكمة!
وفى عام 2014، فى نزاع بين عائلتين، تم إعطاء طفلتين كتعويض لحلِّ النزاع كانت إحداهما تبلغ من العمر 6 سنوات والأخرى 7 سنوات، ومؤخرًا فى الرابع من فبراير من العام الحالى 2021 فى منطقة "سوات" بإقليم "خيبر بختونخوا" تم الإبلاغ عن حالة زواج قسرى لطفلة فى السادسة من عمرها، حيث كانت مُقدمة للزواج من أحد الأطراف فى نزاع بين عائلتين، كتعويض عن قتل أحد أبناء إحدى العائلات، وذلك بناءً على قرار من مجلس شيوخ القبائل "جيركا".
وفى عام 2004 تم إضافة المادة 310 على قانون العقوبات الباكستاني، والتى تفيد بأن تزويج فتاة أو امرأة فى إطار حلِّ المنازعات يُعدُّ جريمة تستوجب العقاب.
وفى عام 2011 تم إجراء تعديل آخر على القانون عُرف بقانون "حظر الممارسات المعادية للمرأة" (Prevention of Anti-Women Practices) والذى ينص على أن استخدام النساء كثمن للصلح فى شكل "واني" أو "سواره" يُعد جريمة خطوات الحكومة للحدِّ من هذه الظاهرة يعاقب عليها القانون بالحبس، مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على ست سنوات. بالإضافة إلى أنه فى حالة ثبوت الجريمة، يعاقب بغرامة قدرها خمسمائة ألف روبية.
وفى عام 2018 أقرَّت المحكمة العليا بباكستان، أن نظام ما يُعرف بمجلس شيوخ القبائل "جيركا" مخالف لحقوق الإنسان الأساسية.
ويدق مرصد الأزهر ناقوس الخطر عن الممارسات التى لا تزال تعانى منها المرأة فى بعض المجتمعات، وبالتالى إغفال حقوقها وتدمير إنسانيتها وتهميشها عن الدور المحورى والأساسى الذى تقوم به داخل المجتمعات المختلفة. حيث إن هذا الشكل من استغلال المرأة بلا شك هو شكل من أشكال التطرف التى نهى الإسلام عنه وأعطى للمرأة حقها فى الحياة بشكل طبيعى لها ما للرجل وعليها ما عليه من الحقوق والواجبات واعتبرها الإسلام جزءا أساسيا وركنا ركينا فى بناء المجتمع، وبالتالى فإن الاعتداء على حقوقها هو هدم للبنة المجتمع الأساسية وشكل واضح من أشكال التطرف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة