هناك مصريون غير هؤلاء الذين يظهرون فى إعلانات عن «كومباوندات»، ويتعرضون لأكبر عمليات دعاية عن فيلات ومنتجعات، والأسعار خيالية بالنسبة للأغلبية، بالطبع فإن شركات الدعاية تخاطب فئة أقل من 1%، بالإضافة إلى مخاطبة المصريين بالخارج، وهم من يملكون أكثر من فيلا أو شقة فى أكثر من مكان، بينما الأغلبية ليس لها علاقة بهذا كله، وقد تلقى المصريون إعلانات الكومباوندات بالمزيج من السخرية والتبكيت، حيث أعادوا تمثيل إعلانات الكومباوند فى الريف أو فى الأحياء الشعبية.
فى رمضان تنقسم الإعلانات إلى نوعين فقط تقريبًا، الأول عن الفيلات والمساكن الفاخرة بمقدمات مليونية، وفى المقابل وبجوارها إعلانات تطلب التبرع بجنيه لجمعيات خيرية، أو بناء معاهد طبية أو تحسين حياة الفقراء، وهذه المفارقات مستمرة من سنوات، والمشاهد يستسلم لهجوم إعلانات، لا تمثله ولا يمثلها، لكنه يتفرج عليها كأنه سائح أجنبى يستطلع رحلة لعدة أيام لى جزيرة منعزلة فى المحيط أو المريخ.
وقد تطورت صناعة الإعلان لدرجة أن الفرجة على الإعلان أصبحت لاعلاقة لها بالمنتج، لدرجة أن شركات الاتصالات هى الأكثر ربحًا والأكثر إنفاقًا على الدعاية، ورغم إنفاق مئات الملايين على الدعاية فالعملاء يشكون ويدعون على الشركات التى تنهب أموالهم لتوزعها يمينا ويسارا على نجوم وفنانين ونوستالجيا، ولو أنفقت نصف هذا على الخدمة لرضى العملاء والمواطنون وانبسط الشعب، لكن هذه الشركات ينطبق عليها المثل «من دقنه وافتل له»، أى أن الشركات تقيد المواطن بأمواله بل إنها توزع ما يدفعه على من لا يستحق.
المستهلك المسكين مفعول به والمشاهد مسير وليس لديه اختيار، مع أن الأغلبية الساحقة ليسوا مرشحين لسكن الكومباوند أو المنتجعات، ومع هذا فإنهم يخضعون لأكبر كمية من الإعلانات عن هذه المنتجعات والكومباوند.. بل إن هناك تندرا بأن من يطلبون من المواطن التبرع للخير، هم من يسكنون الكومباوند.
الإعلانات لا تعكس حال الاقتصاد ولا الأحوال الاجتماعية والمزاجية للمواطنين، ومنذ الثمانينات ظهرت إعلانات الشقق والمساكن الفاخرة، والقرى السياحية، بينما كانت العشوائيات تتسع فى أحزمة حول القاهرة والمحافظات. وظلت أزمة الإسكان قائمة، واليوم هذه الإعلانات لا تستهدف أكثر من 1% من الناس، ويبدو المواطن العادى عاجزًا وربما يصيبه اليأس والقنوط، والثراء ليس عيبًا، ما دام هناك مجتمع متوازن يجد فيه كل مواطن ما يناسبه، لكن الظاهر أن هناك مبالغة فى الأسعار والعروض، مقابل شح فى الإسكان ينتاب الأغلبية من الطبقة الوسطى، التى تشعر بالعجز أمام عالم الكومباوند، ثم إن أغلب الإعلانات هى لمشروعات مجرد أرض فضاء، ورسومات وماكيتات افتراضية «فوتوشوب»، والبناء يبدأ بعد تدفق أموال الزبائن على طريقة «من دقنه».
وفى كل الأحوال فإن إعلانات الكومباوند والمنتجعات تتناقض بوضوح مع إعلانات تطالب بالتبرع للفقراء والمرضى، وكلاهما لا يعبر عن المجتمع، ويمثل استفزازًا للمشاهد الذى يحسبها ويقلبها ليكمل الشهر.
لا يمكن اختصار المجتمع فى كومباوندات أو تبرعات، وحتى فى أغلب الدراما تغيب الطبقة الوسطى، وتظهر طبقات تبدو غريبة عن المجتمع ولا تعبر عنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة