بدأ العد التنازلى للحدث الذى ينتظره العالم أجمع وهو خروج ملوك مصر من المتحف المصرى فى التحرير، فى مشهد مهيب، متوجهين لمكان إقامتهم الدائمة فى المتحف القومى للحضارة المصرية، فى موكب ضخم يضم 22 مومياء لملوك مصر القدماء، وذلك على نحو يتسق مع عظمة وعراقة الحضارة المصرية القديمة، ويبرز جهود الدولة الجارية لتطوير وتحديث القاهرة وغيرها من المدن القديمة، وفى ظل اهتمام العالم بهذا نطرح خلال السطور المقبلة من هو أول ملك سيغاد المتحف المصرى بالتحرير؟.
طبقًا لتسلسل الأحداث التاريخية فإن أول المغادرين من المتحف المصرى للحضارة وقائد الموكب الملكى هو الملك "الملك سقنن رع تاعا"، من ملوك الأسرة السابعة عشرة، كان حاكمًا لطيبة "الأقصر حاليًا" بدأ حرب التحرير ضد الهكسوس وأكمل الحرب من بعده ابناه كامس وأحمس الأول.
بدأ حكام مصر فى الأسرة السابعة عشرة تحت قيادة الملك الجنوبى سقنن رع تاعا الثانى فى مقاومة احتلال الهكسوس خصوصًا أنه لم يبق من أرض مصر المستقلة سوى شريط ضيق فى صعيد مصر كان ينعم بنوع من الاستقلال الذاتى تحت سيطرة حكام مدينة طيبة العريقة، وكان يمتد من القوصية فى محافظة أسيوط (آخر حدود الهكسوس جنوبًا) وإلى منطقة إلفنتين فى أسوان، فبدأ حكام طيبة يشعرون بالقوة، وأخذوا يتحالفون مع جيرانهم من أمراء مصر فى الشمال والجنوب، وكتبوا أسماءهم فى خراطيش تسبقها الألقاب الملكية نكاية فى الهكسوس وللتعبير عن ذاتهم المصرية فى مواجهة المحتل الغاشم.
وتوضح لنا إحدى البرديات المصرية بداية الصراع والاحتكاك بين حكام طيبة والهكسوس، وهى قصة تميل إلى الأجواء الأسطورية وتوضح قصة الاشتباك بين حاكم طيبة سقنن رع تاعا الثانى وملك الهكسوس أبيبى أو أبوفيس فى أولى معارك وحروب تحرير مصر من محنة الاحتلال الهكسوسى البغيض.
ويضيف كتاب "الفراعنة المحاربون.. دبلوماسيون وعسكريون"، للدكتور حسين عبد البصير، تظهر هذه القصة ملك الهكسوس أبوفيس وهو يحاول البحث عن مبرر كى يشتبك مع حاكم طيبة سقنن رع فنراه يرسل إليه برسالة غريبة يشكو فيها من أصوات أفراس النهر التى تسبح فى البحيرة المقدسة بمعبد الإله آمون فى منطقة طيبة التى تزعج ملك الهكسوس وتمنعه من النوم فى عاصمته البعيدة أواريس التى تقع فى دلتا النيل وتبعد مئات الكليومترات عن طيبة! وفى ذلك إشارة رمزية إلى معرفة الهكسوس بالاستعدادات التى يقوم بها حاكم طيبة لطرد الهكسوس، ورد عليه الملك البطل سقنن رع ردًا ذكيًا يظهر رغبته فى السلام، كما أكرم وفادة الوفد الهكسوسى بعد أن أشار عليه رجال بلاطه بذلك.
ومؤخرًا تم الإعلان عن تفاصيل جديدة ومهمة تخص الملك سقنن رع، بالأشعة المقطعية والتى أجراها الدكتور زاهى حواس عالم الآثار والدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة، حيث ساعدت التكنولوجيا الطبية الحديثة فى سرد قصة ملك فى مصر القديمة مات فى سبيل إعادة توحيد مصر فى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وذلك فى البحث الذى نشر اليوم 17 فبراير فى مجلة Frontiers in Medicine.
وقالت الدكتورة سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة، إن الأشعة المقطعية لمومياء الملك سقنن رع كشفت عن تعرضه لضربات فى الرأس والوجه وإصابته بجروح قاتلة، مضيفة أن كتب التاريخ لم تذكر ملابسات وأسباب وفاة الملك سقنن رع وأن الأشعة العادية التى أجريت على المومياء كشفت عن إصابة الملك بجروح فى الرأس فقط، لافتة إلى دراسة أسلحة الهكسوس والموجودة فى المتحف المصرى بالتحرير ومقارنتها بآثار الجروح فى وجه الملك سقنن رع.
وأشارت إلى أن الدراسة كشفت عن وجود تضاهى كبير بين أسلحة الهكسوس وجروح الملك، وهو ما يكشف عن دوره البطولى فى مواجهة الهكسوس أثناء احتلالهم لمصر.
تم العثور على مومياء الملك سقنن رع تاعا داخل تابوت ضخم من خشب الأرز فى خبيئة الدير البحرى، غرب الأقصر عام 1881م، وتشير الدراسات إلى أن الملك مات فى الأربعينيات من عمره، وأن جمجمة الملك تعرضت للكسر مما أدى إلى إصابات بالغة برأسه أثناء المعارك ضد الهكسوس.