لدينا عدد ضخم من المسلسلات التليفزيونية فى رمضان، يمثل وجبة كبيرة ومزدحمة، يصعب على المشاهد العادى متابعتها جميعا، وإلا احتاج إلى أيام مع كل يوم، لكن طبعا التنوع يعطى للمشاهد حرية الاختيار والتنقل ومشاهدة ما يناسبه، لأن الأمزجة فى الفرجة ليست واحدة، وما قد يُعجب شخصا، لا يفترض أن يعجب الآخرين. ومع أن هذه تبدو «بديهية»، لكنها ليست كذلك فى عالم السوشيال ميديا، حيث تسود المبالغات والمجاملات واللجان وحملات الدعاية المباشرة وغير المباشرة، ثم إن شيمة أهل الـ«فيس بوك» المبالغة، بل والتناقض، والصراع، والتمسك بالرأى وقت الاختلاف لدرجة الصدام والنفى.
ثم إن عمليات النقد والتشريح بدأت منذ اللقطات الأولى، ولم يعط البعض فرصة لنفسه من أجل مشاهدة العمل كله، أو على الأقل تظهر ملامح العمل، ناهيك عن الاستقطاب الحاد، الذى يجعل من الصعب على المتابع الطبيعى أن يشعر بوجود حالة من التنوع فى الآراء بعيدا عن العض وتقطيع الهدوم أو المجاملات الفجة.
موسم مسلسلات هذا العام فيه الكثير من التفاصيل، هناك تطور فى صناعة الدراما من حيث الكتابة والإخراج والتصوير والتقنيات والتطور التكنولوجى، يعطى فرصة للتطوير وتقديم صورة جيدة، للعام الثانى مثلا يأتى مسلسل «الاختيار» فى موسمه الثانى، وهو مسلسل له سمات خاصة، لكنه هذا الموسم يقدم أحداثا حقيقية ويوثق فترة صعبة واجهت مصر فيها إرهابا شنيعا، وفى الغالب تقع مثل هذه الأعمال فى الرتابة والملل، لكن موسم الاختيار الجديد يقدم عالم من أسماهم «رجال الظل»، وهم عشرات ومئات من رجال الأمن، كانوا يسابقون الزمن ليواجهوا واحدة من أكثر التهديدات والتفجيرات التى وقعت، أو تم وقفها، وهو صراع تم نقله بمشاهد حية نقلت المشاعر والمخاوف التى عاصرها المصريون لسنوات، مع تنوع التنظيمات الإرهابية وعلاقاتها بالداخل والخارج.
وبشكل عام، فإن «الاختيار» يفتح الباب لأعمال تتناول أحداثا معاصرة، ويمكن فيها توظيف التسجيلات والتقارير المختلفة، لكن بشرط أن تتجاوز فكرة التطويل والمط، والتى تفقد مثل هذه الأعمال قيمتها وتأثيرها، هناك أعمال جيدة وقعت فى فخ المط والخطابة أو المباشرة فى حواراتها وسيناريوهاتها، ما أفقدها قيمتها، وحولها إلى مجرد رقم فى قائمة.
تجربة هذا العام تشير إلى أنه يمكن توزيع المسلسلات على أشهر السنة، بدلا من تكديسها فى شهر واحد، وهو ما تفعله منصة مثل «نيتفلكس»، والتى تقدم أعمالا على مدى العام، وتنجح فى جذب مشاهدين وممولين، وربما ليس وقته، لكن هناك عدد من المسلسلات متأثرة بما تقدمه «نيتفلكس»، أو تستفيد من الموضوعات والاتجاهات، فلا مانع من الاستفادة الكاملة من خلال مواسم لا تتجاوز 10 حلقات أو أقل، بعيدا عن اللت، والمط الذى يفقد أغلب الأعمال الكثير من جاذبيتها، ويصرف المشاهد عنها، طبعا تخمة مسلسلات رمضان يتم توزيعها وإعادة عرضها فى شهور السنة، وبما يحقق عوائد تجارية.
الملاحظة الأخرى فى أعمال هذا العام، أن كثيرا منها تم إنتاج السيناريو والحوار لها من خلال ورش وعمل جماعى، وهو أمر يحدث بعيدا عن تجارب سابقة كان يتم فيها تجاهل جهود المجموع، ومع ميزات هذا النوع من الكتابة الجماعية، ما تزال أغلب الأفكار مستوردة، أو بعيدة عن أغلبية الشعب المصرى بمشكلاته وقضاياه العادية، بعيدا عن الاستسهال واختصار المصريين فى سكان كومباوند أو سكان عشوائيات، هناك تنوع وقماشة واسعة بل يمكن التماس الأفكار من أعمال أدبية وروائية مهمة صدرت خلال العقود الماضية. وما زال هناك الكثر مما يقال حول أعمال ومسلسلات رمضان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة