حالة من التفاعل الكبير في الشارع المصرى، مع العديد من المستجدات والأحداث التي تشهدها البلاد، بدءًا من قضية السفينة الجانحة في قناة السويس، والتي حظت بمتابعة المواطن العادى، والذى انتابه القلق الشديد جراء الأزمة التي ترتبت عليها، إثر توقف الملاحة، بينما خرج محتفلا بعد النجاح المصرى في تعويمها، ليأتى بعدها بأيام قليلة موكب المومياوات الملكية، ليصبح الفخر والانبهار سمة المصريين في أعقاب الاحتفال المبهر، ليلوح القلق بعد ذلك في الأفق، إثر إعلان وزارة الخارجية فشل المفاوضات مع إثيوبيا، والتي عقدت في كينشاسا، إثر النهج المتعنت الذى تتبناه أديس أبابا، في التعامل مع قضية سد النهضة، والتي تحمل أبعادا حيوية للمصريين، في ظل المخاوف الكبيرة جراء انتقاص حصة مصر من مياه النيل.
حالة التفاعل الشعبى مع المستجدات الوطنية، ربما ليست بالجديدة تماما، وإن كانت الأحداث الأخيرة تحمل في طياتها أبعادا جديدة لمفهوم "الوطنية الشعبية"، في عقلية المواطن العادى، حيث كان اهتمام الشارع منصبا قبل عقد من الزمان، على كرة القدم، والتي كانت بمثابة الوسيلة الوحيدة، التي يعبر فيها المصرى، في ذلك الوقت عن انتمائه، بينما ارتبط بعد ذلك، وتحديدا إبان ما يسمى بـ"الربيع العربى"، بحالة "الثورة" بين مؤيد للاحتجاجات، والتي توقفت الحياة تقريبا على إثرها لسنوات، ومعارض لها، لينتقل المفهوم إلى مرحلة جديدة، خلال ثورة 30 يونيو، حيث ارتبطت الوطنية لدى رجل الشارع العادى بفكرة "إنقاذ الوطن" من المخاطر المحدقة به.
وهنا يمكننا استلهام الحالة التي تبدو مهيمنة على الشارع المصرى في المرحلة الراهنة، والتي تقوم في جزء منها، على حالة القلق على مستقبل الوطن ومصيره، وهو ما يتجلى مع حالة القلق التي سيطرت إلى حد كبير على الشارع المصرى، إثر التعنت الإثيوبى في قضية سد النهضة، بينما يصاحبها بعدا أخر، يحمل قدرا من الثقة في قدرة مصر على تجاوز الأزمات، بحكم تاريخ طويل تمكنت فيه مصر من تحقيق الكثير من النجاحات، بفضل مرونتها ودبلوماسيتها، والتي تقوم على تجاوز الخلافات عبر تعظيم المصلحة المشتركة، مع مختلف دول العالم.
الثقة في قدرات مصر، عززها المشهد المهيب في احتفالية نقل المومياوات الملكية، والذى كان بمثابة "فلاش باك"، لتاريخ يعود لألاف السنوات من الزمن، متوجا بالحضارة والبهاء، والتى تعد أهم ثروات المصريين، وهو ما يفسر حالة الاحتفاء الكبير، والذى مازال مستمرا حتى الآن، سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعى، بتفاصيل الاحتفال الذى أبهر العالم، بينما ساهم في تعزيز حالة الفخر والاعتزاز لدى المواطن.
إلا أن المواطن المصرى يبقى في حاجة ملحة إلى بعد جديد، في مفهوم "الوطنية الشعبية"، عبر ما يمكننا تسميته بـ"المسؤولية المجتمعية"، بحيث يضع المواطن نفسه في موقع "الشريك"، في المسؤولية، من خلال الحفاظ على وطنه، وحمايته، عبر الالتزام بحماية مقدراته وعدم إهدارها، كالحفاظ على المياه، خاصة وأن العالم بأسره يبقى مهددا بفعل التغيرات المناخية بخطر ندرة المياه، ناهيك عن مخاوفنا المرتبطة بسد النهضة، والتي من شأنها أن تضع المزيد من المسئولية على عاتق كل مواطن.
الأمر لا يقتصر على الحفاظ على المياه، ولكن أيضا ينبغي أن نحافظ على الواجهة الحضارية التي ظهرت للعالم أثناء الاحتفال بنقل المومياوات الملكية، والاحتفاظ بها، عبر احترام الشوارع، والإبقاء عليها نظيفة، والالتزام بالقوانين، وغير ذلك من الأمور التي من شأنها الانتقال بالوطنية إلى مفهوم أكثر شمولا من شأنه تحقيق أكبر قدر من الاحترام لوطننا الغالى، بين دول العالم.
شراكة المواطن في المسئولية تبدو أمرا ملحا، ربما تفرضه الظروف الراهنة، بينما يمكن استغلال حالة الزخم المترتبة على التفاعل المجتمعى مع الأحداث لتعزيزها بمختلف الوسائل، سواء الإعلام التقليدي أو مواقع التواصل الاجتماعى، وانتهاءً بالمنزل عبر تربية الأبناء على الالتزام بحب الوطن والتعبير عنه بالحفاظ عليه وحماية مقدراته بسلوكهم الشخصى منذ الطفولة.