العيد للمرة الثانية فى ظل كورونا، قبل الفيروس كنا نشكو من تحول المشاعر الحية فى الأعياد والزيارات إلى مجرد رسائل وصور جاهزة، مبكرا حلت مكالمات التليفون مكان الزيارات واللقاءات، ثم حلت الرسائل القصيرة مكان التليفون، ثم الرسائل الجاهزة صورة أو فيديو قصير، أنت لا ترى الآخر ولا تسمع صوته، فقط تتلقى عشراتومئات الرسائل وترسلها أو تعيد تمريرها وينتهى الأمر، قليلون هم من يكتبون رسائل خاصة تتضمن اسم المرسل إليه، وهى رسالة تفصيل تتميز قليلا عن «الكلاشيهات» التى تظهر فى الأعياد والمناسبات.
المفارقة أنه مع كورونا بدا أن عالم الاتصال والتواصل بعيوبه ومشكلاته يمثل نوعا من الحل، على صفحات «فيس بوك» تعرف أحوال من حولك ومعارفك، هم يعرفون عنك مَن يحتفل ومَن يفرح أو يحزن، ميزة الاطمئنان فى أوقات الحظر يمكن أن تتحدث تليفونيا، أو تتابع أحوال وشكاوى الأصدقاء والمعارف، لكن أدوات التواصل أصبحت تحمل الكثير من الأخبار السيئة، مرضى ووفيات، بسبب الفيروس أو لأسباب أخرى.
أصبحت صفحات فيس بوك مجرد أخبار وفيات ومرض وأحزان وعزاءات، صحيح أن الموت هو قدر لا أحد يفلت منه، ومع أن الناس لم تتوقف عن الموت والميلاد، لكن أدوات التواصل جعلت الأمر أكثر وضوحا، لم تختلف نسبة الوفيات كثيرا عن الماضى، لكن النشر يجعلها أكثر تأثيرا، ومع فيروس كورونا تفوقت أخبار الوفيات على غيرها من الأخبار، لدرجة أنه يبدو أن الموت لأسباب أخرى اختفى ولم يعد غير كوفيد حاصدا للأرواح، بالطبع فهذا ليس صحيحا لكنه مطروح فى ظلال الفيروس، الذى أحدث وما زال تغييرات وتحولات فى العالم كله، وتتواصل تأثيراته بشكل أوسع مما كان أحد يتصور.
ومن الواضح أن أدوات التواصل والنشر تجعل الشعور بالمرض والحزن أكبر، ولا نعرف ما إذا كان الفيروس نفسه ظهر قبل أدوات التواصل، كيف كان يمكن التعامل معه أو التفاعل مع تأثيراته، لأن فيس بوك وأدوات التواصل تضخم من شعور الناس، وتصنع حالة من التفاعل الجماعى، خاصة فى الأحزان، فضلا عن أن السوشيال ميديا تميل إلى المبالغة والتضخيم، فى كل شىء، لدرجة أن التعامل مع الطقس تحول إلى نوع من الشكوى الموسمية، ومع أن البرد والحر موجودان من عصور طويلة تكاد تسمع وترى أصوات البرد والصيف فى السنوات الأخيرة.
وحتى فيما يتعلق بالطقس هناك معركة لا تتخطى عتبات فيس بوك وتويتر يتبادل فيها محبو الصيف والشتاء الاتهامات والسخريات، فهناك فريق يعلن أنه يفضل فصل الشتاء، ويرد عليه فريق آخر من عشاق الصيف، ومع ارتفاع الحرارة يخرج فريق الشتاء ليلوم فريق الصيف والعكس فى الشتاء، مع أن أحدا لا يختار فصول السنة، لكن الحرب تبدو كأنها جادة وحقيقية بينما هى مجرد انشغال بما لا يمكن تعديله.
وبصرف النظر عن العيد أو «كوفيد»، فقد أصبحت أدوات التواصل جزءا من حياة البشر، لا يمكنهم تخيل حياتهم من دونها، حتى لو جلعت الناس كلهم فى الافتراضى.