اهتمت مصر القديمة بالأعياد والاحتفالات بشكل لم تسبقها إليه أية حضارة أخرى، وذكر المؤرخ الإغريقي الأشهر هيرودوت الكثير عن احتفالات المصريين القدماء مما جعله يؤمن أن مصر القديمة هي التي ابتدعت الأعياد في العالم، وتزامنا مع قدوم عيد الفطر المبارك نستعرض عبر السطور المقبلة الأعياد عند المصريين القدماء.
يقول الدكتور حسين عبد البصير، عالم المصريات ومدير متحف الآثار-مكتبة الإسكندرية، كان من بين أهم الأعياد في مصر القديمة عيد الأوبت وعيد الوادي الجميل، وصورت مناظر عيد الأوبت على جدران معبد الأقصر، وكان في ذلك العيد، يزور الإله آمون-رع، رب معابد الكرنك، زوجته الإلهة موت في معبد الأقصر، ليجدد قوته وحيويته، وكان الملك يقود ذلك الموكب المهيب، كي تنتقل إليه هو أيضًا حيوية وقوة الإله؛ كي يصير صالحًا لحكم البلاد والعباد.
وكان يقام عيد الوادي الجميل تكريمًا للموتى حين كان يخرج ثالوث طيبة المكون من الإله آمون، وزوجته الإلهة موت، وابنهما الإله خونسو في قواربهم المقدسة في موكب كبير إلى البر الغربى، لزيارة المعابد الجنائزية للملوك الموتى ومقابرهم في جبانة طيبة الغربية، وكان يقدم أهالي طيبة القرابين والأضاحي والزهور إلى قوارب الثالوث المقدس، وكانوا يأخذون الزهور المملوءة بعطر الآلهة، وكانوا يضعونها على مقابر أقاربهم، تعبيرًا عن احترامهم لهم، واعتقادًا منهم أن ذلك يقربهم إلى الإله.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، فى بداية كل عام، في الأول من شهر توت، فصل آخت، أو الفيضان، كان المصريون يحتفلون بعيد رأس السنة الذي كان يتزامن مع وفاء النيل الذي كانت تتجدد فيه الحقول، وكان يفيض فيه النيل، وكان يسبب رخاء وسعادة البلاد، وكان النيل يتجدد كل عام، وكانت معه تتجدد كل القوى الكامنة في تمثال الإله عن طريق ملامسة قرص الشمس، ولذا عرف هذا العيد بعيد الاتحاد مع قرص الشمس، وكانت طقوس ذلك العيد تبدأ في الفجر، حين كانت تحضر قرابين الأطعمة، وكان يتقدم موكب حاملي الأطعمة نحو حجرة القرابين، ثم كان يتم نقلها إلى غرفة تجميع القرابين، وكان يصعد الموكب إلى سطح المعبد، وكانت تحمل القرابين إلى سطح المعبد، كي توضع هناك، ثم تحرق كتقدمة للإله.
وأشار الدكتور حسين عبد البصير، إلى أنه كانت هناك احتفالية كبرى أخرى تعرف بعيد اللقاء الجميل، أو عيد الزواج المقدس، وكانت ينتقل فيها تمثال إلهة الحب والأمومة والجمال والموسيقى، الربة حتحور، كل عام من معبدها في دندرة في موكب عظيم، كان يقوده حاكم المدينة، لقضاء بعض الوقت مع زوجها الإله حورس في إدفو، وكانت تبحر حتحور في مركب، وقبل إدفو، كان يقابلها زوجها الإله حورس، بصحبة حاكم إدفو، ومعه بعض الكهنة، ثم كان يصحبها إلى إدفو، وبعدها إلى داخل المعبد، وفي الصباح، كانت تبدأ طقوس الاحتفالات، ثم كانت تعود مرة أخرى إلى دندرة، وصورت مناظر ذلك الاحتفال على جدران معبد إدفو، وكان بقاء الربة حتحور في إدفو يمثل فرحًا عظيمًا، وكان الهدف من تلك الطقوس الدينية جلب الفيضان، كي يعم الرخاء والنماء في البلاد، وكان التقاء الزوجين يتجدد كل عام بين حتحور وحورس إيذانًا ببدء الخصب والفيضان في البلاد، وكان اتصال الزوجين يرمز إلى الخصوبة، وارتبطت بعض الأعياد بالزراعة.
وكان لعدد من المدن المهمة احتفالاتها الخاصة، مثل سايس في الدلتا، وأبيدوس في الصعيد، وكانت تقام الأعياد في هليوبوليس للإله رع، وفي منف للإله الخالق بتاح، وهناك أعياد أخرى كان يقيمها الملوك، احتفالاً بانتهاء بناء المقابر الملكية أو مشروعاتهم الكبرى، أو احتفالاً بنصرهم على الأعداء، وكانت هناك أعياد خاصة بالموتى، وكانت منتشرة في أرجاء مصر القديمة، وكانت العائلات تحتفل فيها بالذهاب إلى الجبانات، وكانت تحمل الطعام والشراب إلى موتاهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة