تمر اليوم الذكرى الـ1265 على أخذ البيعة لعبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك مؤسس الخلافة الأموية في الأندلس، وذلك فى 18 مايو عام 756م، وهو المعروف بلقب صقر قريش وعبد الرحمن الداخل، والمعروف أيضًا فى المصادر الأجنبية بلقب عبد الرحمن الأول، أسس عبد الرحمن الدولة الأموية في الأندلس عام 138 هـ، بعد أن فر من الشام إلى الأندلس فى رحلة طويلة استمرت ست سنوات، إثر سقوط الدولة الأموية فى دمشق عام 132 هـ، وتتبع العباسيين لأمراء بنى أمية وتقتيلهم.
كان عبد الرحمن الداخل من الأمويين الذين فروا من بطش العباسيين وقرر أن يذهب إلى الأندلس؛ ليبدأ فى تأسيس دولته، فراسل كل الأمويين ومحبى الدولة الأموية فى كل مكان يعرض عليهم فكرته، وبدأ يستعد لدخول الأندلس، وواجهت عبد الرحمن الداخل صعوبات فى تأسيس دولته كأى دولة ناشئة، فتعرضت الدولة الأموية فى الأندلس فى عهد عبد الرحمن الداخل لعدد كبير من الثورات، تزيد على خمس وعشرين ثورة تغلّب عليها جميعها.
ويروى الذهبى فى سير أعلام النبلاء كيف استطاع عبد الرحمن الداخل أن يقيم دولة أموية جديدة بالأندلس بعد سقوط الأمويين، فيحكى كيف استطاع مولاه بدر أن يتجسس له ويعرف رأى الناس إذا وجدوا رجلا من بيت الخلافة هل يبايعونه أم لا، فحين رأى فيهم قبولًا لذلك أعلن عن شخصية سيده، عبد الرحمن بن معاوية فبايعه الناس، واستمر حاكمًا للأندلس ثلاث وثلاثين سنة، واستمر الملك فى نسله حوالى 400 عام. ويقول الذهبى أن الداخل لم يلقب نفسه بالخليفة ولا احد من ذريته بل كان يقال لهم "الأمير" وأول من تلقب بأمير المؤمنين منهم : الناصر لدين الله.
كان العباسيون يطاردون كل من فر من بنى أمية حتى يقتلوه، فحتى حين ادعى العباسيون أنهم لن يفعلوا ذلك وأن على الأمويين العودة إليهم وتسليم أنفسهم لهم، قتلوا كل من لجأ إليهم، لذا كان يفر عبد الرحمن الداخل من بلد إلى بلد، وقد استطاع الداخل الوصول لإفريقية فى النهاية ومعه أمواله التى وصلت عن طريق مواليه "بدر" و"سالم"، وعن طريق "بدر" استطاع الداخل أن يتواصل مع محبى الأمويين فى الأندلس ليستعيد نفوذ الأمويين هناك فى العاشر من ذى الحجة 138 هـ، حيث استطاع عبد الرحمن الداخل الدخول للأندلس بعد تغلبه على واليها "يوسف بن عبد الرحمن الفهري" الحصول على البيعة وحكم الاندلس.
ويروى أحمد زكى صفوت فى كتابه "جمهرة خطب العرب فى عصور العربية الزاهرة" خطبة عبد الرحمن الداخل لجنوده لما اشتد الكرب فى حربه ليوسف الفهرى حاكم الأندلس فقال لجنوده: "هذا اليوم هو ما يبنى عليه إما ذل الدهر وإما عز الدهر فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون"، ولما أنحى أصحابه على أصحاب الفهرى بالقتل يوم هزيمتهم على قرطبة قال: "لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم واستبقوهم لأشد عداوة منهم"، مشيرًا إلى استبقائهم ليستعان بهم على أعداء الدين حسبما ذكر صفوت فى تعليقه على الخطبة.
ويروى الذهبى فى سير أعلام النبلاء كيف تعامل عبد الرحمن الداخل مع نصارى الأندلس وأمنهم على عقيدتهم وأنفسهم وطقوسهم وعباداتهم، فكتب نص عهد الأمان الذى أعطاه لهم الداخل: "كتاب أمان ورحمة، وحقن دماء وعصمة، عقده الأمير الأكرم الملك المعظم عبد الرحمن بن معاوية، ذو الشرف الصميم، والخير العميم، للبطارقة والرهبان، ومن تبعهم من سائر البلدان، أهل قشتالة وأعمالها، ما داموا على الطاعة فى أداء ما تحملوه، فأشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب، وعشرة آلاف رطل من الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال، مع ذلك ألف درع وألف بيضة، ومن الرماح الدردار مثلها فى كل عام، ومتى ثبت عليهم النكث بأسير يأسرونه، أو مسلم يغدرونه، انتكث ما عوهدوا عليه، وكتب لهم هذا الأمان بأيديهم إلى خمس سنين، أولها صفر عام اثنين وأربعين ومائة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة