أكد الدكتور آريس جورجاكاكوس، أحد أهم الخبراء فى إدارة أحواض الأنهار الدولية، أن مصر معرضة للجفاف حتى فى عدم وجود سد النهضة، ومن ثم يجب أن يكون هناك استراتيجيات بالأخص التعاونية بين الدول المعنية، متابعا: "تعلمون أن السد العالى حمى مصر لفترة طويلة خاصة خلال الثمانينات عندما كان هناك تعاقب لسنوات الجفاف، ولكن لو حدث مثل هذا الجفاف فى الوقت الحالى، وبسبب زيادة استهلاك المياه وخسارتها بسبب التبخر فإن مصر ستعانى من نقص المياه، وقد أوضحنا من خلال بيانات تفصيلية أنه بإمكاننا أن نقلل من تأثيرات هذا الجفاف".
لكن جورجاكاكوس عاد وأكد فى لقاء عبر تطبيق "زووم" مع الإعلامية لميس الحديدى على شاشة "ON" قائلاً: "العنصر الحاسم هنا هو أن يتم إدارة هذا السد بشكل تعاونى على أساس إقليمي، فإذا لم نقم بهذا وإذا اختارت إثيوبيا أن تتعامل فقط من منطلق مصالح وأهداف وطنية محلية بدون تقديم دعم لمصر والسودان خلال الجفاف فإن تأثير الجفاف سيكون أكبر، وربما يؤدى إلى انخفاض المياه المخصصة للزراعة فى مصر بنسبة 20-25%، وهو تأثير كبير إذا ما اختارت إثيوبيا إدارة السد من خلال منظور خاص دون النظر إلى دول المصب".
وأضاف: "هناك نقطة أخرى أريد أن أضيفها وهى أن الجفاف الذى حدث فى الماضى لن يكون مثل الجفاف الذى سيحدث فى المستقبل، لأننا قمنا بإجراء دراسة تفصيلية تقول إن التغيرات المناخية سوف تؤثر على النيل الأزرق والأبيض، وأن التغيرات المناخية ستكون أشد وأطول فيما يتعلق بالجفاف، وبالتالى إذا لم نكن قادرين على التعامل مع الجفاف سابقا، فإن الجفاف المستقبلى سيكون أسوأ تأثيراً على مصر والسودان وربما إثيوبيا أيضاً، وهنا تأتى أهمية سد النهضة بالنسبة لكل من مصر والسودان، ويجب عليهما أن يتأكدا أن هناك استراتيجية تعاونية لتنظيم إدارة هذا السد".
وحول أوجه الاستراتجيات التعاونية، قال: "بشكل عام فإن الاستراتيجيات التعاونية التى بحثناها بشأن سد النهضة لا تظهر أى تأثير كبير فيما يخص توليد الطاقة من السد، والفارق بين الاستراتيجية التعاونية أو العمل من خلال أهداف وطنية هى فوارق بسيطة لا تتعدى نسبة 2% من إجمالى توليد الطاقة، لكن الفائدة الأهم من هذه الاستراتيجية هى لدول المصب، ومدى تحملها لأوقات الجفاف، الاستراتيجيات التى يجب أن ندرسها - وأتمنى أن يتم وضعها فى الحسبان بعملية التفاوض- تقول بأنه يجب أن ننظر للسعة التخزينية لسد النهضة كأحد الأصول الإقليمية بالتعاون مع الخزانات السودانية والسد العالى فى أسوان، وقد اقترحنا استراتيجية معينة بحيث يكون التخزين الإجمالى للمنظومة ككل يمكن تشغيله بطريقه تستفيد منها دول المصب، خاصة فى الأوقات الصعبة، ويستفيد منها الجانب الإثيوبى فى توليد الطاقة الكهربائية".
وشدد الدكتور آريس جورجاكاكوس أحد أهم الخبراء فى إدارة أحواض الأنهار على ضرورة التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا قبل الملء الثانى لسد النهضة، قائلاً: "أعتقد أنه من المهم جداً أن يكون لكل هذه الدول اتفاق بشأن تنظيم عمل السد قبل عملية الملء الثانى للخزان. هذا شيء بالغ الأهمية لأن هناك العديد من الأمور والعديد من الفوائد التى يمكن أن تنتج عن السد، ولكن وعلى كل الدول أن تتفق على كل هذه الشروط بشأن التشغيل والتخزين".
وأضاف آريس جورجاكاكوس: "التأثيرات الخاصة بهذا السد على دول النيل تعتمد على الإجراءات الكلية التى سيتم تطبيقها لتنظيم الملء وعمل السد، ولكن اسمحى لى أن أعطيكى بعض الأمثلة التى توضح لماذا يجب أن يكون سد النهضة محكوماً باتفاقية، كما تعلمون أن الاستخدامات الاقتصادية والاجتماعية والتبخر يصل إلى نسبة 100% بشكل عملى من مياه النيل، بمعنى أن 100% من مياه النيل يتم استهلاكها فى تلك الدول، وهذا معناه أن أية زيادة فى استهلاك المياه ستؤثر على الجميع، هى عملية حسابية بسيطة لذلك فمن المهم أن يكون هناك اتفاقية تعمل على الإدارة العادلة لمصادر المياه".
وأكمل: "حالياً قدرة تخزين سد النهضة هى عامل مهم وحاسم يضاف إلى تلك المنظومة النيلية ويمكنه إفادة الجميع، وبشكل عام تخزين مياه النيل عنصر هام لإدارته المستدامة نظراً لتباين حجم الفيضان بشكل سنوى أو على مر السنين".
واستطرد: "كما تعلمون أن فيضان النيل يمر بتغييرات موسمية، فمن يونيو حتى سبتمبر وأكتوبر يكون لدينا فيضان كبير، وباقى العام منخفض جداً. لكن خلال السنوات أيضاً هناك سنوات يكون فيها الفيضان عالى جداً يصل إلى أكثر من 100 أو 120 مليار متر مكعب فى العام، ثم تأتى سنوات انخفاض كبير فى التدفق حتى تصل الكميات إلى مرحلة 40-50 مليار متر مكعب بشكل إجمالى، وأنا أتحدث عن المياه التى تصل إلى مصر، وبالتالى أرى أن التخزين هام جداً لنقل المياه أثناء مواسم الجفاف، ومن خلال وجهة النظر هذه يمكن أن يكون سد النهضة ذو فائدة كبيرة، لكن لا يمكن أن ندرك هذه الفائدة بل ربما يكون ضاراً فى حال عدم وجود تعاون لتنظيم عمل هذا السد خاصة فى مواسم الجفاف".
وشدد على أنه من مصلحة إثيوبيا أن تبرم اتفاقية مع دولتى المصب لمصلحة الجميع وكافة الأطراف حتى لا يلحق الضرر بدولتى المصب مصر والسودان قائلا: "على ما أعتقد أنه من مصلحة إثيوبيا أن تبرم اتفاقية كى لا تؤذى مصر أو السودان إلى الدرجة التى تدفعهما للبحث عن طرق بديلة لمعارضة إثيوبيا فى ملء السد".
وحول الجوانب القانونية وأهميتها قال: " هذا شيء هام ولن أقول أى تصريحات بشأن الجوانب القانونية، وأعتقد أنها قيد النقاش وهى نقطة خلاف علينا أن نتخطاها لأن ذلك أمر هام حيث أنه من مصلحة إثيوبيا".
وأكد فى لقاء عبر تطبيق "زووم" خلال لقاء مع الاعلامية لميس الحديدى على شاشة ON قائلا: "لكن الأخبار الطيبة أن هذه الاستراتيجية موجودة وهناك طرق لتنفيذها دون إيذاء لأحد، ولا أعتقد أن إثيوبيا ستختار أن تتصرف بشكل أحادى وتقدم على تصرف قد يؤذى ملايين البشر سواء فى مصر أو السودان، ولذلك أعتقد أن هناك سوء تفاهم بشان جدوى القيام بذلك دون إيذاء أى أحد .. وهناك استراتجيات مثل ذلك بالفعل".
وحول الاشتراطات الآمنة لعملية الملء قال: "النقطة الخاصة بملء السد فيجب أن تتم عملية الملء عندما يكون فيضان النيل أكبر بشكل ملحوظ أو فوق المتوسط لأننى كما قلت سابقاً أن مياه النيل تستخدم بنسبة 100% من الفيضان الموجود.. سأعطيكم مثالا حول تكلفة عدم وجود اتفاق الآن؟ بينما نحن نتحدث الآن فإن دول النيل الجنوبية حيث بحيرات فيكتوريا ويوجا وألبرت لديها فيضانات تاريخية وغير مسبوقة، وأنا أعلم ذلك لأنى أعمل مع أوغندا وتنزانيا وخاصة أوغندا بشأن إدارة هذه الفيضانات".
واستكمل: "إذاً فقد شهد العام الماضى وهذا العام وربما لأعوام أخرى قادمة فيضانات بشكل أكبر وملحوظ، لهذا فإذا كانت هناك اتفاقية مبرمة -طبقاً لما ذكرته بأنه تكون عملية الملء عندما يكون الفيضان عالى- لكانت إثيوبيا تمكنت من ملء السد أسرع مما اقترحوه، لكن هناك شك فى ذلك.. إذا عدم وجود اتفاقية يؤذى مصالح إثيوبيا و كذلك مصر والسودان كدولتى مصب".
وأضاف: "الشيء الآخر الذى أريد أن أقوله بشأن الملء، أنه ربما يكون هناك سوء تفاهم حيث أن إثيوبيا ترغب فى ملء السد حتى أخره فى وقت محدد ، وهنا أجد صعوبة فى هذا الشأن لأن ملء السد مرتبط باستراتيجية تنظيم عمل السد".
واقترح الخبير عدة طرق بديلة لحل أزمة الملء قائلا: " اقتراحى بأن هناك طريق بديل لفعل ذلك، وهو أن يتم ملء السد عندما يكون الفيضان فوق المتوسط واعتبار أن الملء قد تم عندما يتم عملية ملء متزامن فى كافة أماكن التخزين على النيل الشرقى، وأن تكون كلها فى مستوى واحد، ومن هناك نعود لاستراتيجية التنظيم بكافة تفاصيلها الفنية وهى موجودة ومقترحة وتبدأ حينها المنظومة فى العمل دون أى خطأ.. وبالتالى فلا حاجة لتخزين 60 أو 74 مليار متر مكعب فى إثيوبياً إذا كان هناك جفاف، لأن مصر فى هذه الحالة ستتلقى ضربة كبيرة على المستويين الاقتصادى والاجتماعى وهذا غير مقبول وغير عادل.. إذاً علينا أن نملأ السد عندما يكون الفيضان فوق المتوسط وأن تقف عملية الملء عندما نصل لنفس المستوى الخاص بملء الخزانات الأخرى فى السدود الأخرى".
وأوضح أنه يعلم أن عملية التفاوض محبطة بعض الشيء لكافة الأطراف المعنية، معربا عن اعتقاده بأن مشكلة المفاوضات تكمن فى وجود سوء تفاهم بشأن البيانات الفنية وربما بحسب وصفه يعود ذلك الإحباط بسبب عدم وجود ثقة بين الأطراف قائلاً : " الأمر محبط بعض الشيء وأنا أعرف أن العملية التفاوضية محبطة لكل الدول المعنية، والمفارقة هنا أننى أرى أن هناك إجراء واضح لملء الخزان وتنظيمه بشكل مقبول وعادل فنياً ومفيد للجميع.. لذلك فإننى أعتقد أن مشكلة المفاوضات تكمن فى سوء التفاهم بشأن البيانات الفنية وربما كان هناك عدم ثقة بين الأطراف، وبالتالى فالأمر الأول الذى يجب أن نفعله هو أن نصل لطريقة يمكن من خلالها بناء الثقة على المستوى الفنى والتشارك فى الآراء والاتفاق على بعض المعلومات والبيانات وأن يتم معرفة المنظومة بأكملها ثم الانتقال إلى المستوى السياسى لننظر إلى المشكلة ونحاول أن نحقق تقدم.. وأعتقد أنه علينا أن نوسع عملية التفاوض فيجب أن تكون هناك مشاركة من قبل محكمين حقيقيين مستقلين ومحايدين وخبراء بحيث تكون المعلومة متوفرة للجميع ويتم تفهم مصالح الأطراف المعنية بشكل كامل وبالأخص النقاط ذات الحساسية، النقطة الإيجابية من وجهة نظري- وأنا على اتصال بكل دول النيل- أنه يوجد طريق للمستقبل إذا ما اتفق الجميع وبوضوح على البيانات والمعلومات المتاحة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة