فى نظرة تأملية لظاهرة اجتماعية شديدة الخطورة، لها من التأثيرات السلبية ما هو كفيل بهدم استقرار وتشتيت الأسرة المصرية .
وهى ظاهرة التشتت الأسرى ليس فقط على مستوى العائلة الكبيرة التى لم تعد تجتمع إلا فى الأعياد فى حال إن التزم جميع أفرادها، ولكنها امتدت لتشمل الأسرة الصغيرة المكونة من الأب والأم والأبناء داخل أربعة جدران.
"فإن تحدثنا عن العائلة الكبيرة"، تلك التى تتكون من مجموعة من الإخوة والأخوات وما لديهم من أبناء وبنات وجد وجدة على قيد الحياة، سنجدها أسعد حالاً نسبياً، فالرابط الذى يربط هؤلاء ببعضهم البعض ما زال قوى وبه درجة من درجات الالتزام الطوعى لطالما كان هناك أب وأم لأولاد وأحفاد.
أما بعد رحيل هذا الأب وهذه الأم يُقسم كل أخ وأخت على دوام العلاقة الأسرية والتجمع المعتاد إكراماً لذكرى الأبوين وحفاظاً على صلة الرحم وكأنهما ما زالا على قيد الحياة.
ولكن.. عادة ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فسرعان ما تفقد النوايا عقدها وتذهب الوعود أدراج الرياح ليتسلل البعد شيئاً فشيئاً ويستسلم كل شخص لطاحونة الحياة التى لا تتوقف ويجد لنفسه من المبررات المنطقية ما يباعد بينه وبين أسرته الكبيرة ليصل الأمر فى النهاية إلى اللقاء مرتين إلى ثلاث على الأكثر بالعام فى العيدين وربما أول أيام رمضان !.
أما "الأسرة الواحدة"، والتى تتكون كما ذكرت سابقاً من الأب والأم والأبناء سواء كانوا صغاراً أو كبار ما زالوا غير متزوجين، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية التى لا يلتفت إلى خطورتها كثيراً الأبوين نظراً لانشغالهم هم أيضاً بنفس مسببات الشتات والتفكك الأسرى الذى لا تظهر تبعاته مباشرة.. لكن سرعان ما تظهر تأثيراتها السلبية لتصيب الأسرة الحالية وتزداد حدتها لتصل إلى حد الافتراق التام بعد رحيل الأبوين إن عاجلاً أم آجلاً.
أما عن هذا المرض العضال الذى أصاب الأسرة بالتفرق، فهو انشغال كل فرد من أفرادها من أصغرهم لأكبرهم بوسائل التكنولوجيا الحديثة على اختلاف أشكالها ومسمياتها، تلك التى تسللت وتوغلت فتمكنت من الجميع لتصيبهم بالاعتياد الذى يشبه الإدمان.
فإذا استعرضنا صورة للأسرة التى تجلس بمكان واحد والتى من المفترض أن هناك تواصل واتصال بين أفرادها سواءً كانوا مجتمعين للطعام، إن كانوا ممن لا يزالون يلتفون معاً حول مائدة واحدة أو ممن يجلسون بمكان واحد ولكن كلٍ منهم منفصل تماماً عن الآخر ومستغرق بعالمه الافتراضي الخاص، مما أفقد الأسرة الصغيرة كل أنواع الترابط وأصاب مشاعرها بالجمود الذى يتطور بمرور الوقت ليقطع أواصر المحبة ويصيب الدفء الأسرى بالتجمد، فيعّجِل بهذا الشتات الذى نتحسب له بعد وفاة الأبوين ليحدث أسرع مما نتصور على حياة عينيهما بين الإخوة والأخوات والأم والأب تحت نفس السقف وداخل نفس الجدران.
فهل لنا أن ندرك حجم الكارثة الحقيقى ونواجهه بكل قوة لننقذ علاقاتنا الأسرية ورباطنا الذى إن فك لن نقو على عقده من جديد؟
فالمشاعر والروابط ما إن تجمدت وتمزقت لا جدوى من محاولات إصلاحها مجددا.
فعلينا أن نقر قواعد ملزمة لجميع أفراد الأسرة كبيرها قبل صغيرها بتخصيص أوقات اللقاء اليومى خاصة على مائدة الطعام، شريطة إخلاء المكان من كافة أنواع الهواتف الذكية ووسائل التواصل التكنولوجية وأى شئ من الممكن أن يشغل أى منهم عن التواصل الفعلى بباقى أفراد أسرته والتناقش والاستماع الجيد وتبادل المقترحات ووضع خطط المناسبات وغيرها من الموضوعات الحياتية اليومية والموسمية التى تشترك بها العائلة.
وبعد أن ينقضى وقت اللقاء المقدس الذى يحترمه الجميع، فليفعل كل منهم ما يحلو له وليتواصل افتراضيا أو فعلياً مع من يريد وكيفما يشاء.
فالأسرة هى نواة المجتمع التى إن صحت وصلحت واستقامت صح المجتمع وصلح واستقام .