كان الوقت مبكرا صباح 25 مايو 1964 حين وصل محمد على كلاى بطل العالم فى الملاكمة للوزن الثقيل إلى القاهرة، قادما من لندن لقضاء بضعة أيام فى مصر بدعوة من «المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية» برئاسة توفيق عويضة.
كان «كلاى» هو الرياضى الأشهر فى العالم وقتئذ، وأعظم رياضى فى القرن العشرين فيما بعد، ليس لكونه بطلا للملاكمة فى الوزن الثقيل فقط، وصاحب شعار «أطير كالفراشة وألسع كالنحلة»، وإنما لموقفه المناهض لحرب أمريكا ضد فيتنام ورفضه التجنيد للمشاركة فيها، ما أدى إلى سحب لقب بطولته للعالم عام 1967، ولاضطهاده داخل أمريكا بسبب سياسة التفرقة العنصرية، وإشهار إسلامه.
كان فى لندن يستعد للعودة إلى أمريكا بعد فوزه على الملاكم البريطانى «كوبر» بالضربة القاضية، غير أنه ووفقا لتصريحاته الصحفية التى نشرتها الأهرام يوم 25 مايو 1964، قام بتعديل برنامجه، وألغى سفره إلى نيويورك، ولبى دعوة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التى وصلته فى لندن قبل حضوره إلى القاهرة بيومين فقط، وذكرت «الأهرام» أن كلاى سيمضى خمسة أيام فى القاهرة، وسيتلقى بعض الدراسات عن التفكير الإسلامى، حسب طلبه، وأنه زار القنصلية المصرية فى لندن قبل أن يتوجه إلى المطار، وتناول المرطبات مع عدد من أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية.
فى القاهرة قوبل حضور البطل العالمى الفذ باهتمام شديد، حسبما تذكر «الأهرام»، وتضيف: «تلقى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قبول «كلاى» الدعوة بحماس وفرحة، وأعد له على وجه السرعة استقبالا شعبيا كبيرا، شارك فيه عدد من علماء الأزهر وأساتذة وأعضاء اللجان الفنية للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وطلبة البعوث الإسلامية، وعدد كبير من الرياضيين من أسرة الملاكمة خاصة والرياضة عامة، وأعلن «المجلس» برنامج الزيارة، وتضمن توقيعه فى سجل الزيارات بالقصر الجمهورى صباح يوم «25 مايو»، وزيارة المحلة الكبرى وكفر الدوار وحلوان والسد العالى، لمشاهدة معالم النهضة الصناعية فى مصر، وزيارة الإسكندرية، ومخيمات اللاجئين فى قطاع غزة، كما تم ترتيب لقاء له مع علماء الدين الإسلامى»، وأذاع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن محمد على كلاى، أبرق من لندن يعرب عن أمله فى مقابلة الرئيس جمال عبدالناصر.
كان قراء «الأهرام» على موعد مع «كلاى» فى حوار صحفى أجراه «عزت السعدنى»، ونشرته الجريدة يوم 26 مايو، مثل هذا اليوم، 1964، أكد أن طفلا أسمر هزه وطير دموع الفرح فى عينيه، ويود أن يلقاه.. وأضاف: «جرى الطفل بالمشوار بجوار العربة المسرعة التى أركبها وأنا فى طريقى إلى الفندق، ويقول: «كلاى، كلاى»، ولكنه تعثر وسقط على الرصيف.. علق مندهشا: «لم أكن أعرف أن الناس هنا يحبوننى إلى هذه الدرجة».. سأله السعدنى: «هل أنت قوى؟»..أجاب: جدا.. وسأله: ماذا فعلت بقوتك؟.. أجاب: الشىء الكثير، سجل من الانتصارات بلا هزيمة واحدة، 24 انتصارا على التوالى، منها 19 انتصارا تولت قبضتى القاضية إعلانها على الدنيا كلها.. سأله: وماذا يهم النصر؟.. أجاب: فى النصر حلاوة وفرحة، لقد رقصت 4 مرات، وأطلقت لسانى على كل الدنيا».
سأله «السعدنى»: هل أنت رجل طيب؟.. أجاب: «جدا».. وماذا فعلت بطيبتك؟.. أجاب: لم أفعل شيئا، ولكنها جنت علىّ كثيرا.. إننى أحب الناس كل الناس، ولكنهم فى أمريكا لا يحبوننى.. لا أعرف لماذا؟.. سأله: قد يكون بسبب انتصاراتك؟.. أجاب: لا أعتقد.. وإلا كانوا قد أعلنوا كرههم لـ«روكى مارشيانو» - ملاكم أمريكى - الذى اعتزل دون هزيمة.. سأله: قد يكون بسبب لونك؟.. أجاب: إذا لكان من باب أولى يكرهون «باترسون» - ملاكم أمريكى - وهو أسود مثلى.. سأله: ربما بسبب إسلامك؟.. سرحت عيناه لحظة ثم قال: ربما.. ولكن الإسلام معناه المحبة والسلام، وأنا أحبهم، وأمد يدى إليهم بالود والصداقة ولكنهم يرفضون.. يرفضون ويقولون: «احمل سلاحك يا كلاى، واعبر البحر إلى فيتنام وحارب.. ولا يضيرنى أن أحمل السلاح وأذهب إلى الحرب، ولكن يحز فى نفسى أن أحارب بغير اقتناع».
سأله: «أين إذن يحبك الناس؟.. أجاب فى حماس: طفل هنا فى القاهرة..سأله: لقد دافعت عن لقبك 5 مرات أمام ملاكمين أقوياء، فمن يا ترى أقوى ملاكم؟.. أجاب: سونى ليستون.. سأله: ماذا ستفعل فى استدعائك للخدمة العسكرية؟.. أجاب: لقد أعطونى مهلة 10 أيام حتى تنتهى زيارتى للقاهرة، وبعدها ربما أعطونى مهلة أخرى حتى أدافع عن اللقب.. سأله: ما الذى يجذبك إلى القاهرة؟.. أجاب: جمال عبدالناصر.. سأله: وماذا أيضا؟ أجاب: «حب الناس لى، يكفى أننى عندما أسير فى شوارع شيكاغو مثلا أحمل مسدسا أو اثنين معى، ولكننى فى القاهرة لا أحمل سوى ابتسامتى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة