تمر اليوم الذكرى الـ181 عقد "اجتماع دير القمر السرى" والذى كان بداية الثورة الشامية ضد إبراهيم باشا، والتى انتهت بطرده من بلاد الشام بعد تدخل عسكرى عثمانى مدعوم من بريطانيا، وذلك فى 27 مايو عام 1840.
كان "إبراهيم" قائد حملة والده إلى بلاد الشام، من أجل السيطرة عليها ضمن الصراع العسكرى بين الدولة المصرية الحديثة الوليدة على يد محمد على، وبين الدولة العثمانية، واستطاع إبراهيم باشا بعبقريته الحربية فى ذلك الوقت، هزيمة الجيوش العثمانية وتحقيق تقدم كبير، إلى أن هرعت بريطانيا والنمسا ودول أوروبية أخرى، للتدخل وإجبار مصر على قبول معاهدة لندن، وذلك بعد عقد اجتماع "دير القمر" السرى فى 27 مايو 1840، وهو الاجتماع الذى كان سببا فى نجاح بريطانيا فى إشعال ثورات أهالى الشام ضد الحكم المصرى حتى استعادت الإمبراطورية العثمانية سوريا.
ودير القمر قرية لبنانية تقع فى منطقة الشوف فى محافظة جبل لبنان، وللبلدة مكانة مهمة فى تاريخ لبنان، حيث كانت عاصمة للأمراء المعنيين، أدرجت سنة 1945 على لائحة التراث العالمى، لما بها من مبانى أثرية مميزة ترجع إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادى.
وبحسب موقع "رابطة العلماء السوريين" كان لبنان هادئاً أيام استيلاء إبراهيم باشا عليه من سنة 1830 إلى سنة 1841، وذلك لوجود صاحب القرار قريباً منه، ولشدة سطوة إبراهيم باشا وبطشه، وقبل ذلك كله لأن إبراهيم باشا اتبع سياسة عدل وإنصاف مع سكان الشام بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم، وبخاصة فى جباية الضرائب، فانزاح عن كاهل ضعفاء الموارنة حملٌ ثقيل طالما اشتكوا منه، وكان النظام العثمانى جائراً يعتمد فى جباية الضرائب على إقطاع المناطق لمن يتعهد بتأدية مبلغ مخصوص عنها ويستوفيه هو من الأهالى أضعافاً مضاعفة بالجور والقهر، ووقف الأمير المارونى بشير الشهابى مع إبراهيم باشا وتعاون معه تعاوناً وثيقاً، وعندما أراد إبراهيم باشا تجنيد الدروز إجبارياً فى جيشه، هدد هؤلاء بالتمرد، فقام الأمير بشير بتسليح 4.000 مارونى لقمع التمرد الوليد، وكان هذا أول صدام للسلطة فى لبنان مع إحدى الطوائف التى تعيش فى لبنان، فقد كانت الدولة العثمانية حريصة ألا تثير القلاقل فى لبنان مع طوائف الأقليات.
كانت بريطانيا حريصة أشد الحرص على إخراج إبراهيم باشا من لبنان، فى إطار التنافس بينها وبين فرنسا على طرق التجارة الدولية، ولحسن علاقاتها مع السلطنة العثمانية فى مواجهة المطامع الروسية فى المتوسط، ولذلك قادت مسعى دولياً تكلل بالنجاح، فانسحب إبراهيم باشا فى أواخر سنة 1256= 1840، وبعد انسحاب القوات المصرية قامت الحكومة العثمانية بتعيين الأمير قاسم شهاب بدلاً من بشير الذى ذهب إلى المنفى فى مالطة، اتباعاً لتقليد عريق وهو أن يكون متصرف جبل لبنان من أهله ومراعاة لاتفاقية عمرها 300 سنة تجعل من فرنسا حامية للمسيحيين فى الإمبراطورية العثمانية، وكانت الحكومة العثمانية تتطلع لأن تتخلص من كل هذه الترتيبات ليتم حكم لبنان مثل غيره من المناطق فى الدولة العثمانية.
وكان الدروز حانقين من تنامى القوة المارونية والنزعة الاستقلالية التى ظهرت إبان حكم إبراهيم باشا، فقاموا بعد الانسحاب وفى سنة 1257= 1842 بمهاجمة الموارنة واستولوا على بلدة دير القمر، وهى معقل أمراء الموارنة، وارتكبوا فيها فظائع منكرة، ثم زحف 8.000 درزى على زحلة أكبر حاضرة مارونية لاحتلالها، فدافع عنها أهلها ومعهم أهل بعلبك، وهزموا الدروز موقعين بهم خسائر فادحة، وتدخلت الحامية العثمانية وأوقفت القتال ولولا ذلك لامتدت الفتنة إلى بقاع أخرى من جبل لبنان.
وقامت الدولة العثمانية إزاء هذه الاضطرابات المتعاقبة فأبطلت جميع امتيازات سكان الجبل الممنوحة لهم قديما، وما منح لهم أخيرا باتفاق الدول عقب جلاء العسكر المصري، وكانت الدولة العثمانية قد قررت أن وجود هذه العناصر المختلفة تحت حكم وال واحد لا ينتمى إلى إحداها سيزيل كثيراً من الروح التنافسية ويخفف من الضغائن الدينية بين الموارنة وبين الدروز، ونصبت عمر باشا النمساوى والياً على الجبل.
ولم تقبل الدول الأوربية ذلك، فاضطرت الدولة العثمانية فى سنة 1258 = 1842 أن تعيد للجبل بعض امتيازاته، واتفقت مع سفراء الدول على ان يكون للوالى العثمانى نائبان، يدعى واحدهما قائم مقام، أحدهما مارونى والآخر درزى يتولى كل منهما النظر فى شؤون ابناء طائفته، ويتبعان حاكم صيدا، واعتبر طريق بيروت - دمشق الخط الفاصل بين هاتين المقاطعتين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة