للمرة الثانية ندخل بيته بعد أكثر من عامين من الزيارة الأولى، التى اختصنا بها كأول وسيلة إعلامية سمح لها باجتياز هذا السياج، الذى وضعه حول نفسه بعيدا عن الظهور الإعلامى واللقاءات الصحفية والتليفزيونية، حينها كانت انتشرت شائعة واسعة بوفاته أزعجت الملايين من جمهوره ومحبيه، وأزعجته رغم أنه اعتاد على هذه الشائعات، واختصنا بحوار ولقاء معه، طل من خلاله على الجمهور بالصوت والصورة والفيديو ليطمئن الملايين، ويؤكد أنه بخير، لم يخل اللقاء من سخريته وخفة ظله وحضوره وبشاشته، ولكن هذه المرة خلا البيت من هذا الوجه البشوش، اختلفت الزيارة وأصبحت الشائعة حقيقة مر عليها عام كامل.
دخلنا بيت الفنان الكبير حسن حسنى جوكر الفن وأبوالكوميديانات، هذه المرة وقد مر على وفاته عام كامل، واخترنا أن نحيى ذكراه الأولى بطريقة مختلفة، فرغم رحيله فإنه سيبقى بأعماله ويعيش بيننا دائما بفنه وإبداعه، لذلك اخترنا أن نحيى ذكراه بلمسة وفاء وتكريم ودرع خاص من «اليوم السابع» لمسيرته الفنية ولروحه المبدعة تحت شعار «المبدعون لا يرحلون.. ستعيش معنا بفنك للأبد»، وسلمنا الدرع لأسرته.
الزيارة الثانية «راحوا فين حبايب الدار».. ذهبنا إلى منزل الفنان الراحل المبدع حسن حسنى، والتقينا أفراد أسرته، وعرفنا الكثير من الجوانب الغائبة عن حياة هذا الفنان المبدع، الذى كان يشع بهجة وحب وأبوة على كل من حوله، وكيف كان فى حياته الطبيعية والخاصة لا يقل جمالا وبهجة وحنانا وحبا عن الكثير من الأدوار التى جسدها، بل يزيد، وكيف استطاع أن يحقق بهذه الصفات أصعب المعادلات الإنسانية، وأن يجتاز الكثير من الصعاب والآلام والأحزان.
امتلأت جدران البيت بعشرات الصور لصاحبه الطيب المحبوب مع أبنائه وأحفاده، وعشرات الصور للشخصيات التى جسدها فى أعماله، والعديد من المجسمات واللوحات التى أهداها له محبوه وعشاق فنه من كل المحافظات والبلاد، لترسم لوحة من المحبة الخالدة لهذا المبدع المحبوب.
بمجرد النظر إلى جدران البيت، تستطيع أن تدرك كم المحبة الغامرة والأبوة التى غمر بها الفنان حسن حسنى كل من حوله، هذه الأبوة والمشاعر التى لم تفرق بين أبنائه وأبناء زوجته، فتدرك كم كان صاحب هذا البيت عظيما متفردا، أما صور الشخصيات التى قدمها، والتى تملأ كل جدران البيت وسلالمه وغرفه وحتى باب ثلاجته، فتخبرك بمدى إخلاص وحب هذا الفنان المبدع لكل ما قدمه من أعمال رسخت فى وجدان الملايين.
ميراث المحبة والترابط والسيرة العطرة.. جمع الفنان حسن حسنى فى بيته بين أبنائه «هشام وفاطمة وابنته الراحلة رشا، وأحفاده»، وبين أبناء زوجته «مصطفى وإنجى أشرف فهمى» اللذين رباهما لمدة 26 عاما، وتعلقا به منذ كان عمرهما لا يتجاوز 4 و 8 سنوات.
استقبلنا ابنه الأكبر هشام وزوجته السيدة ماجدة حميدة، وابن زوجته مدير التصوير مصطفى أشرف فهمى، الذى حرص أن يحدثنا عن حبه وتعلقه بـ«بابا حسن» قبل سفره مباشرة، وكنا قد التقينا به فى المرة الأولى، التى زرنا فيها الفنان حسن حسنى، واعتقدنا أنه ابنه من شدة تعلقه وحبه لزوج والدته، ومن شدة حنان وحب الفنان حسن حسنى له ولأطفاله.
فى هذا اللقاء، تحدثت السيدة ماجدة حميدة، زوجة الفنان حسن حسنى، فى أول ظهور إعلامى لها عن زوجها الراحل، وكيف كان يتعامل فى بيته، وعن صفاته وكرم أخلاقه وطقوسه وأحزانه، وكيفية معاملته وحنانه على أبنائها، وكيف تحققت فى هذا البيت المعادلة الصعبة ليصبح الجميع أبناء وإخوة بلا تفرقة، وتحدث ابنه هشام عن الجوانب التى لا نعرفها عن والده، وكيف تعامل الفنان الراحل مع أبنائه وأحفاده وأهم وصاياه، وأصعب المواقف التى مرت عليه، وأقرب أصدقائه وتفاصيل الساعات الأخيرة فى حياته.
الولد سر أبيه واللى خلف ماماتش.. يحمل الابن هشام حسن حسنى الكثير من صفات أبيه، الملامح والصوت والطباع والأخلاق التى غرسها الأب فى كل أبنائه، وأبناء زوجته.
بحب جارف وحزن شديد، يحكى عن والده الفنان الراحل وهو يقلب فى عشرات الصور التى جمعت جوكر الفن بأبنائه وأحفاده وزوجته. جلسنا فى غرفة المكتب التى جمع فيها الفنان الراحل جوائزه وكل ما نشر عنه، والعديد من صوره والمجسمات واللوحات التى أهداها له محبوه.
تحدث هشام حسن حسنى عن والده كأب وجد، قائلا: «والدى كان بيتوتى جدا، وأسعد لحظات حياته حين نجتمع كلنا حوله، الأبناء والأحفاد، وكان متعلقا بنا تعلقا شديدا ويهتم بكل تفاصيلنا».
يشير هشام حسن حسنى إلى أنه الابن الأكبر للفنان الكبير، ولديه أختان فاطمة، ورشا التى توفت فى 2013 بعد رحلة مرض استمرت 3 سنوات تاركة ابنتها ملك، ويوضح:«مصطفى وإنجى أشرف فهمى ابنا الزوجة، كانا أيضا إخوتنا، وكان أبى طوال الوقت يراهما أولاده ولم يفرق بيننا وبينهما وكنا نشعر جميعا بأننا إخوة ولا فرق بيننا، لأنه رباهما منذ كان عمرهما 4 و 8 سنوات، وعاشا معه لمدة 26 عاما حتى تزوجا وأنجبا».
يتحدث الابن عن علاقة الفنان حسن حسنى بأحفاده قائلا:«كانوا قريبين منه جدا ولا يرفض لهم طلبا ويلجأون إليه دائما».
ولد الفنان الكبير حسن حسنى فى 19 يونيو عام 1936، فى حى القلعة، ذاق اليتم مبكرا، حيث توفيت والدته وهو فى سن 6 سنوات، أشار ابنه هشام إلى أن نشأة والده يتيما أثرت فى شخصيته، ليكون أبا عاطفيا جدا وشديد التعلق بأبنائه وأحفاده.
سيرة أطول من العمر.. أشار الابن إلى أنهم لم يشعروا أبدا بأن والدهم يمثل، مؤكدً أن شخصيته فى المنزل تشبه العديد من شخصياته على الشاشة، فى حزنه وفرحه، قائلا:«كنا نشعر بأن فيلم عبود على الحدود هو قصة حياتنا فى البيت، نفس الهزار، وخفة الدم، وطريقته معنا، وكلنا ورثنا عنه الجينات الكوميدية، وخفة الظل، فكانت كل تجمعاتنا كوميدية».
«والدى كان يحب شغله جدا، وكان موهوبا جدا ومجتهدا، ومهما كان مريضا، حين يبدأ تصوير يتحول لشخصية أخرى»، هكذا تحدث الابن عن موهبة والده، وتابع:«كان بيشتغل كل عمل باهتمام وحب شديد، وكأنه أول عمل فى حياته، وكان مشهورا بين زملائه بأنه أسرع فنان يحفظ دوره ولا يعيد أى مشهد وكان يعشق اللغة العربية».
يؤكد الابن أن والده كان يحب الحياة الاجتماعية، ويحب أن تكون سيرته طيبة بين الناس:«كان طول قعدتنا معاه بيوصينا على بعض، وأن نحافظ على علاقتنا وحبنا لبعضنا، وكانت وصيته الدائمة «امشى عدل يحتارعدوك فيك، ولازم تحب اسمك وتحب سيرتك من بعدك ومن خلفك، وتكون متواضعا مع الناس، وتسلم على كل الناس وتتعامل معهم باهتمام».
أحزان أبوالكوميديانات.. يحكى الابن عن أصعب المواقف التى مرت على والده قائلا:«كانت أصعبها وفاة أختى رشا عام 2013 بعد فترة مرض 3 سنوات، وكان لوفاتها تأثير كبير على أبى، ولم يستطع تجاوز هذا الحزن حتى وفاته»، وتابع:«كانت رشا أصغرنا وأقربنا إلى أبى، وورثت عنه الكثير من الصفات وخفة الدم، وموتها كسره وشعرت بأنه كبر 20 سنة بعد وفاتها»، ويشير الابن إلى أن والده حتى بعد وفاة شقيقته، ورغم حالة الحزن التى أصابته، كان يفصل بين عمله وحياته وأحزانه.
كان الفنان حسن حسنى سندا لكل نجوم الكوميديا الشباب، حيث وضعهم على بداية طريق النجومية، وساهمت مشاركته لهم فى بعض الأعمال فى نجاحهم، ومنهم علاء ولى الدين ومحمد سعد وهنيدى وكريم عبدالعزيز وهانى رمزى ورامز جلال وأحمد حلمى وغيرهم.
وعن ذلك قال ابنه:«كان يعتبر كل هذا الجيل أبناءه، ومكانش يعرف يشتغل مع فنان لا يحبه، وكانوا ينادونه جميعا إما بلقب أب أو الخال، وكان يسعد جدا بنجاحهم وبأن ينسب جزء من هذا النجاح له»، وعن أقربهم له، قال الابن: كانوا جميعا قريبن منه، ولكن علاء ولى الدين كان أقربهم وأكثرهم ارتباطا به».
وأشار الابن إلى عدد من الجوائز التى حصل عليها الفنان الكبير، ومنها جائزة أحسن ممثل عن فيلمى دماء على الأسفلت، وليه يا بنفسج سنة 1993، رغم أنها كانت أدوارا ثانية، مؤكدا أن هذه الأدوار بالإضافة إلى دوره فى فيلم سارق الفرح من أحب الأدوار إلى نفسه، وأنه كان يعتز بكل مسرحياته وأعماله، موضحا:«أبى لم يقم بأى دور إلا إذا اقتنع به وأحب الشخصية».
استطاع الفنان الكبير حسن حسنى الإبداع فى كل الأدوار الكوميدية أو التراجيدية، التى قام بها، لذلك أطلق عليه لقب الجوكر، وأطلق عليه الكاتب الكبير موسى صبرى لقب القشاش.
حكايات ووصايا قبل الرحيل.. أشار الابن إلى أن آخر مناسبة حضرها والده كانت عيد ميلاد الفنان صلاح عبدالله قائلا: «والدى لم يكن يحضر الكثير من المناسبات الفنية وكان قليل التزاور، ولكنه حضر عيد ميلاد صلاح عبدالله قبل وفاته وكان سعيدا جدا».
وتحدث الابن عن الفترة الأخيرة فى حياة والده، مشيرا إلى أن وفاته كانت مفاجئة، ولم يمرض قبلها، رغم أنه كان أحيانا يمر بأزمات صحية قبل وفاته بسنوات.
وتابع:«كنا كلما أجرينا فحوصات لوالدى يقول له الأطباء إن قلبه قلب حصان، ولكنه فجأة أصيب بجلطة فى القلب، ودخل المستشفى على قدميه، ولم تكن حالته متأخرة، وكان يتحدث معنا ويطمئننا، وبعد إجراء قسطرة، دخل فى غيبوبة لمدة 4 ساعات، ثم توفى، وكانت وفاته صدمة كبيرة».
الزوجة تتحدث عن حبيب العمر.. فى أول ظهور وحوار إعلامى، تحدثت السيدة ماجدة حميدة زوجة الفنان بحب جارف وحنين كبير وحزن عظيم عن زوجها الراحل الفنان الكبير، وكشفت تفاصيل الحياة فى بيت هذا النجم المتفرد فى كل صفاته، قائلة:«عشرة 26 سنة، كان كريم الأخلاق طيب المعشر، إنسان بمعنى الكلمة، عشنا معه حياة جميلة كلها حب ورحمة وترابط، وكان بيحاسب نفسه كتير قبل ما يحاسب حد فينا».
وتابعت: «كان زوجا وأبا إيجابيا ومثاليا وموجودا فى كل تفاصيل حياتنا، ويتعامل بمنتهى الإنسانية».
وبعرفان شديد. قالت زوجة حسن حسنى:«ولادى غير ولاده، ولكنه كان أبا للجميع، فأولادى هما مصطفى وإنجى ابنا المخرج أشرف فهمى، وعندما تزوجت حسن حسنى كان عمر مصطفى 8 سنوات وإنجى 4 سنوات، وعاشا معه كأب لمدة 26 عاما، وكان يقول إنجى بنتى ومصطفى ابنى، ولم يفرق بينهما وبين أبنائه مطلقا».
وأوضحت:«علمهم كل شىء وكان مدلعهم آخر دلع، ورباهم وزوجهم، فى بداية زواجى منه رفضوا ينادونه بابا، وكانوا يقولون له «أونكل»، وكان بيتضايق لذلك، لكنهم بعد فترة وجدتهم ينادونه «بابا» بتلقائية، لأنهم شعروا بها، وشعر أبنائى وأبناؤه بأنهم إخوة لا فرق بينهم، وأحببت أولاده وأحفاده بقدر حبه الكبير لأولادى».
وتابعت:«عندما أجرت ابنتى إنجى جراحة الزائدة، وهى فى سن 15 سنة، ترك كل أعماله وجلس إلى جوارها بالمستشفى، ورفض أن يتركها وكان فى شدة القلق عليها».
وبحب وتأثر شديد قالت الزوجة: أكيد هو الآن فى مكان أحسن، لأنه كان فاهم الدنيا والدين صح، وكان سباقا لفعل الخير»، وتابعت: «كان يغضب مثل الأطفال على أشياء بسيطة وبسرعة ينسى غضبه، وكان بيحب البيت جدا، يذهب للتصوير، ويعود بسرعة ليجمعنا حوله فى الأكل والسفر، وكان حريصا على أن يجمع كل أبنائنا والأحفاد لنفطر معا كل أيام شهر رمضان، ويغضب إذا غاب أحد».
وعن أصعب المواقف التى مرت بالفنان الكبير، قالت زوجته:«وفاة رشا كانت أصعب موقف مر علينا وعليه، ووفاة علاء ولى الدين، لأنه كان يبحبه بشدة، ووقتها سافر حسن إلى العين السخنة، وقرر أن يعتزل الفن لولا تدخل عدد من أصدقائه»، واختتمت حديثها عن حبيب عمرها وشريك حياتها قائلة:«كان كريم الأخلاق وجابرا للخواطر، وأكيد ربنا هيكرمه ويجبر بخاطره».
910242a6-cb1a-457d-98aa-5e57f20547d7
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة