المبالغة في شراء الأدوات والأجهزة الكهربائية والمفروشات والملابس، عادة خطيرة أصابت القرية المصرية، تتجلى مع كل مناسبة زواج، وباتت سمة غالبة فى كل نواحى الريف المصرى، وأصبحت علامة تعجب كبيرة تضعنا أمام تحديات مختلفة وفريدة من نوعها، فالمواطن الذى بالكاد يجد قوت يومه، ولا يملك من حطام الدنيا سوى راتبه الشهرى أو قطعة أرض صغيرة، مع بقرة أو جاموسة يقتات وأسرته من إنتاجها، يستدين ويوقع على إيصالات أمانة وشيكات لتقسيط جهاز العروسة، الذى وصلت تكلفته إلى 200 ألف جنيه في بعض المناطق، تحت شعار كاذب يسمونه "سترة البنت".
جهاز العروسة في القرية المصرية قبل 40 عاماً كان مجرد مجموعة من الأوانى الألمونيوم أو النحاس، بالإضافة إلى "طشت" للاستحمام وغسيل الملابس، لكنه سرعان ما تطور حتى وصلنا إلى الميكروويف، وغسالة الأطباق، ورياشة الفراخ، و2 تلفزيون، وثلاجة وديب فريزر، وحدث ولا حرج عن الفوط والبشاكير، فقد يتجاوز عددها الخمسين بعد المائة الأولى، وقد تحتاج إلى دولاب "مخصوص"، بالإضافة إلى 5 دستة ملابس داخلية، و50 فستان و40 زوج من الشرابات، و20 جزمة أنواع، و 10 زجاجات من العطور المفضلة، وشنطة مكياج، ومجموعة من الإكسسوارات والزينة تتناسب مع الفترات الصباحية والمسائية، في حين أن الزوج في النهاية قد يكون عامل باليومية أو موظف صغير أو فلاح بسيط، أو صاحب حرفة "سائق – نقاش – طباخ – كهربائى".
التحضر والمدنية ثقافة مطلوبة، لكن ما انتشر في الريف المصرى البسيط من عادات سيئة وتقاليد مبتدعة في الزواج لا علاقة له بالتحضر من قريب أو بعيد، فيجب أن نغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا القناعة والرضا كأساس لبناء البيوت وعمارة الأرض، دون أن نوفر لهم احتياجات وأدوات تعيش 20 سنة على الأقل من بداية الزواج، بالإضافة إلى ما تتحمله الأسرة من ديون كبيرة يتم سدادها بفوائد مضاعفة على مدار سنوات وسنوات، في حين أن فكرة الزواج والاستقرار وبناء الأسرة أبسط من ذلك بكثير، ولن تكون قوائم المنقولات ضمن مقومات نجاحها.
في الفترة الماضية ظهرت مئات القضايا للغارمات، كان السبب الأساسى فيها تجهيز العرائس، والتكاليف المبالغ فيها، والأموال الكبيرة التي يتم دفعها دون أن تتمكن الأسرة من الالتزام بها أو سدادها، لدرجة أن زاوج حالات عديدة من الفتيات بات بمثابة وثيقة لدخول السجن، نظراً لعدم قدرة الأسرة على الوفاء بالديون والأموال التي تتحملها دون داعٍ، لذلك يجب أن تعود القرية المصرية لأخلاقها وعاداتها، ونجعل الأمور أقل تعقيدا، دون فكرة التماهي أو الغيرة أو اشمعنى بنت فلان أو علان، فهذه ليست أكثر من عادات جاهلية لن تقدم أو تؤخر، ولا يمكن أن تتناسب مع قدرة هذا البلد الفقير، الذى يلتمس طريقه نحو التنمية ويعانى انفجارا سكانياً، ووصل تعداده إلى ما يزيد عن 100 مليون نسمة.
المغالاة في تكاليف الزواج والمهور والأدوات والمفروشات، وكل ما نسمع عنه في هذا السياق، يجب أن يكون محل نظر واهتمام من جانب كل أسرة مصرية، ويجب أن يكون ضمن برامج التوعية على مائدة الحكومة والمسئولين ووسائل الإعلام، فالموضوع له أبعاد ثقافية واجتماعية عديدة، يجب أن تختفى ويتم تجاوزها، خاصة أن المشكلات والخلافات التي تنشأ حولها وحالات الطلاق التي تزايدت بصورة غير مسبوقة، بالإضافة إلى زيادة معدلات العنوسة وعدم الرغبة في الإقبال على الزواج، لذلك علينا أن نشارك بتوعية حقيقية في هذا الاتجاه، ونؤكد أن البساطة والرضا وعدم المغالاة أقرب طريق لصناعة مستقبل أفضل للزوجين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة