جامع ساعى البحر يقع فى شارع البحر فى مصر القديمة، وبالتحديد فى حارة الدرب الجديد، الكفور، حي مصر القديمة، محافظة القاهرة، هو أحد المساجد التي أنشئت فى عصر الدولة الأيوبية، وهو عبارة عن مسجد صغير يتكون من مستطيل به أربعة صفوف من الأعمدة الرخامية القديمة، يعلوها سقف مسطح. وفى الجانب الشرقى منه توجد القبلة، وفى الركن الجنوبى منه يوجد ضريح الشيخ محمد ساعى البحر و أخيه جعفر.
والمدخل الرئيسى للمسجد يقع فى الواجهة الجنوبية التى يعلوها مئذنة المسجد ويبدو من طراز المئذنة التى تشبه المسلة أن الجامع قد جدد وأعيد بناؤه فى العصر العثمانى.
ويصف على مبارك المسجد فيقول: هو بمصر العتيقة، على وجهه مكتب، وله منارة قصيرة ، وبوسطه ضريح يقال له الشيخ محمد ساعى البحر، وللجامع أوقاف بجواره إيرادها شهريا ثلاثمائة قرش، وشعائره مقامة منها بنظر الشيخ محمد أبى عوض، ويعمل به حضرة كل ليلة ثلاثاء، ومولد كل سنة فى شهر شعبان.
وتقول الدكتورة سعاد ماهر فى كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحين"، صاحب جامع ساعى البحر هو محمد بن الحسين بن حمزة بن عبدالله الأعرج بن الحسين الأصغر بن على زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام على بن أبى طالب، وقد اختلف المؤرخون فى تاريخ مجيئه إلى مصر وفى تاريخ وفاته فقد ذكرت بعض المراجع أن محمد بن الحسين بن حمزة دخل مصر فى القرن الثالث الهجرى فى عهد أحمد ابن طولون وأنه توفى سنه 262 هـ، بينما يقول البعض الآخر، أنه توفى فى سنة ثلاثين وثلاثمائة وأنه قد انفرد من أولاد الشريف الميمون بن حمزة بالدفن بمصر القديمة، أما باقى أولاد الشريف فقد دفنوا فى أماكن متفرقة من القرافة الكبرى، وهناك فريق ثالث يؤكد دفنه فى مسجده بمصر القديمة إذ يقول : وهو مدفون بهذا المكان "أى مصر القديمة" تحقيقًا ومعه فى قبره شقيقه جعفر.
ويقول السخاوى فى "تحفة الحباب وبغية الطلاب" : قبر الشريف بن حمزة سليل على بن أبى طالب، قال الشيخ أحمد الأدمى مقابل جزيرة الروضة قبر السيد الشريف أبى عبد الله بن الحسن بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه توفى سنة ثلاثين وثلثمائة.
أما عن السبب فى تسميته باسم ساعى البحر فيذكر السخاوى وينقل عنه على مبارك: أن محمد بن الحسين بن حمزة عرف بأبى الشفقة وذلك أنه لما كان فى بعض السنين قد توقف النيل عن الفيضان فشق عليه وعلى أهل مصر خشية الجلب والقحط الذى كثيرًا ما تعرضت له مصر من انعدام الفيضان أو انخفاض منسوبه، والذى من أجله ألف المقريزى عمدة مؤرخى مصر الإسلامية كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمه"، فصار الشيخ محمد ـ وكان ورعا تقيا عرف بين الناس بالصلاح والإيمان ـ يسعى إلى شاطئ النيل ويبكى ويدعو الله أن يفرج الكرب ويكشف الغمة ويغيث الأمة بفيضان النيل، حسب ما ذكرت الدكتورة سعاد ماهر فى كتاب مساجد مصر وأولياؤها الصالحين.
ويستطرد السخاوى فى سرد قصته فيقول : وأخذ الشيخ محمد يسأل ويتقصى من أهل العلم ومن له معرفة بالتاريخ عن الكتاب الذى أرسله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع رسوله حاطب بن أبى بلتعه بن أسد إلى المقوقس إلى أن دل عليه فأخذه وبيته إلى جانبه وهو فى أمر عظيم فرأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى المنام وهو يقول له يا أبى الشفقة قم وألق الكتاب فى النيل، فقام وألفى الكتاب فى الماء فكانت أخصب سنة على أهل مصر فلما مات دفن قريبًا من البحر فاشتهر عند أهل مصر بساعى البحر.
بينما نفى البعض القصة التى ذكرها السخاوى عن وضع الشيخ محمد الكتاب الذى أرسله عمر بن الخطاب فى النيل تيمنا وبركة حتى يفيض النيل ويقول حسن القاسم كما جاء فى كتاب مساجد مصر وأولياؤها الصالحين: إن الشيخ محمد بن الحسن بن حمزة عرف بساعى البحر لوجود قبره على مقربه منه، وأما القصة التى ذكرها السخاوى فى تسميته بأبى الشفقة فهى أسطورة لا يعول عليها، والصحيح أن هذا اللقب لأبيه "أبو الشفق".
أما فى "عمدة الطالب وبحر الأنساب" للأزوقانى فيقول هو محمد بن الحسين أبو الشفق بن حمزة بن عبيد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر بن على زين العابدين بن الإمام الحسين الأكبر ابن الامام على بن أبى طالب وهو مدفون بالقبر ومعه قبر شقيقه جعفر عرف بساعى البحر أما قصة أبو الشفق فإنها ترجع لأبيه ويرجع النسب إلى أشراف مصر وهى طائفة تعرف ببنى ميمون وبنى حمزة وبنى حسان والتاريخ لا يذكر أحدا منهم.
ومهما يكن هناك فى الأمر اختلاف فى تفسير الأسباب التى من أجلها عرف الشيخ باسم ساعى البحر فأن الذى يعنينا هنا بالدرجة الأولى، هو أن أحدًا لم ينكر وجود قبرة بمسجده بمصر القديمة على الضفة الشرقية لنهر النيل قبالة جزيرة الروضة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة