لا يزال تشكيل حكومة لبنان قاب قوسين، ورغم التحركات الدولية وآخرها زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان التى اختتمها اليوم لبيروت، إلا أن نتائج تلك التحركات لم تظهر فى الأفق حتى الآن.
ومما لا شك فيه أن تأخر التأليف للشهر التاسع على التوالى يسبب خسائر جسيمة للاقتصاد اللبنانى، وهو ما أدخل البلاد فى أزمات عدة، هذا ما أكده رئيس حكومة تصريف الأعمال فى لبنان حسان دياب، قائلا "لو تشكلت الحكومة قبل 9 أشهر (تاريخ استقالة حكومة دياب) لما وصلت البلاد إلى الواقع الصعب الراهن."، مشيرا إلى ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن حتى يُمكن التعامل مع الأزمات التى يمر بها لبنان ومعالجتها وتنفيذ الإصلاحات. وفق الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانى.
وأشار رئيس الوزراء اللبنانى – فى تصريحات له لدى استقباله اليوم وفدا من نقابة محررى الصحافة اللبنانية برئاسة نقيب المحررين جوزيف القصيفى بمناسبة عيد شهداء الصحافة اللبنانية – إلى أن أى شخص يتولى رئاسة الحكومة مهما كان قويا ويتحلى بالنزاهة، إذا لم يكن يتوفر له التوافق السياسى والدعم من مختلف القوى والأطراف والجهات، فلن يتمكن من تحقيق النجاح.
وأضاف: "لا يمكن اختيار وزراء مستقلين بالكامل من دون استشارة الكتل النيابية التى ستمنح الثقة للحكومة فى المجلس النيابى، غير أن الحكومة الحالية هى الأقرب فى تاريخ لبنان إلى مواصفات حكومة التكنوقراط".
وشدد على أن اعتماد البطاقة التموينية لدعم الأسر الأكثر احتياجا، أصبح أمرا مُلحّا للتعويض عن التكاليف الإضافية التى سيتكبدها المواطن اللبنانى مع قرب ترشيد الدعم، مشيرا إلى أن الحكومة أرسلت 4 سيناريوهات تتعلق بمسألة الدعم وترشيده إلى اللجان النيابية المشتركة فى البرلمان لكى تتم مناقشتها مع الوزراء والنواب ومصرف لبنان المركزى واختيار الحل الأنسب.
واعتبر دياب أن حكومته خاضت منذ تأليفها ولا تزال، معركة قاسية على مختلف الجبهات، وأنه ولم يسبق أن واجهت حكومة فى لبنان "نكبات ومشاكل وأزمات" بهذا الحجم وهذه الوتيرة خلال 6 أشهر وحتى خلال فترة تصريف الأعمال، لافتا إلى أن الحكومة القائمة تحملت أعباء كبيرة كانت نتيجة قرارات مالية واقتصادية ونقدية خاطئة اتخذتها الحكومات السابقة.
أزمة يوروبوندز
وقال إن أولى الأزمات التى واجهت الحكومة فور مجيئها مباشرة، كانت تعثر لبنان عن دفع سندات الخزينة بالعملات الأجنبية (يوروبوندز). مضيفا: "حاولنا من خلال الحوار مع البنوك ومصرف لبنان المركزى الذين كانوا يملكون 75 % من أسهم اليوروبوندز، اللجوء إلى خيار جدولة الديون وتفادى التعثر بالدفع، لكن تفاجأنا لاحقا أن بعض البنوك باعت أسهمها إلى الخارج، وبالتالى لم يعد بإمكاننا إعادة الجدولة وبقى أمامنا خياران، إما الدفع وإما إعلان التعثر، فقررنا فى مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة والمعنيين بالشأن النقدى والمالى التوقف عن سداد الديون وإعادة هيكلة الدين".
وتابع قائلا: "ثم وضعنا الخطة الإصلاحية الاقتصادية والمالية والتى أثنى عليها صندوق النقد الدولى والاتحاد الأوروبى، وقررنا المباشرة بالتفاوض مع صندوق النقد، ثم قمنا بإقرار عدة إصلاحات أساسية كترجمة للخطة الإصلاحية المالية الاقتصادية واتخذنا قرارات عدة على صعيد مكافحة الفساد".
وشدد على أن ودائع اللبنانيين ومدخراتهم فى القطاع المصرفى لن تختفى، مشيرا إلى أن لبنان ليس أول بلد يتعثر ماليا.
وأشار إلى أن حكومته لم يكن لديها خيار سوى الاستقالة بعد وقوع انفجار ميناء بيروت البحرى فى 4 أغسطس الماضى، لافتا إلى أنه استمهل الوزراء الذين أرادوا الاستقالة غداة الانفجار عدة أيام حتى يتم إقرار بعض القرارات فى مجلس الوزراء لإنصاف أهالى الضحايا والجرحى والمتضررين، مع الوعد بإعلان استقالة الحكومة فى الـ10 من أغسطس.
وذكر دياب بأن لجنة التحقيق الإدارية (الوزارية) التى شكلتها الحكومة قبل استقالتها اتخذت جملة من التوصيات التى تم إقرارها فى شأن واقعة انفجار ميناء بيروت البحرى وهى، إحالة قضية الانفجار من المحكمة العسكرية إلى المجلس العدلى لكى يتاح لأهالى الضحايا تقديم دعاوى شخصية جنائية لتحصيل حقوقهم باعتبار أن هذا الأمر غير متاح فى المحكمة العسكرية، واعتبار ضحايا الانفجار شهداء ومساواتهم بشهداء الجيش اللبنانى، وإقرار مبلغ مئة مليار ليرة لتعويض الأضرار، واستفادة الجرحى من الضمان الاجتماعى وغيرها من القرارات.
وتطرق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى مسألة ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل، مرجحا أن يقوم الرئيس اللبنانى ميشال عون بتوقيع التعديل الخاص بمرسوم تعيين الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة الذى أعدته الحكومة، والذى يتضمن توسيع المنطقة اللبنانية بحيث تصبح 2290 كيلو مترا بدلا من 860 كيلو مترا جنوبا.
وزير خارجية فرنسا يدعم لبنان
وعلى صعيد محاولات حل أزمة تأليف الحكومة قام وزير الخارجية الفرنسى بزيارة استغرقت يومين لبيروت التقى خلالهما مع المسئولين السياسيين لمحاولة التوصل لحلول للازمة وقد استهل أولى محطات زيارته إلى لبنان بلقاء رئيس لبنان العماد ميشال عون فى قصر بعبدا، لبحث مستجدات أزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
وعلى هامش الزيارة قال أن فرنسا ستجيش المجتمع الدولى من أجل الضغط لإجراء الانتخابات النيابية اللبنانية فى موعدها، مضيفا أن جميع القادة اللبنانيين لم يلتزموا بتعهداتهم التى قطعوها أمام ماكرون. وفق الوكالة الوطنية للإعلام.
وأشار لودريان خلال لقاء مصغر مع عدد من الإعلاميين فى قصر الصنوبر بينهم "الوكالة الوطنية للإعلام" أن "العقوبات التى أعلنت ليست إلا بداية الطريق فى مسار عقوبات متشدد".
وشدد لودريان على أن لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة تنطلق مما يمثلون دستوريًا وليس المحاباة، مجددا التلويح بعقوبات ستفرضها بلاده تجاه المعرقلين ووصفها بالبداية فى مسار عقوبات متشدد.
من جهة أخرى، قال لودريان قبل مغادرته بيروت أنه "إذا استمر التعطيل ستتوسع عقوباتنا لتصبح أقسى وستفرض على شخصيات لبنانية متنوعة ومن الصف الثاني".
عون يطلب مساعدة المجتمع الدولى
طلب رئيس لبنان العماد ميشال عون من وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان مساعدة فرنسا والدول الأوروبية فى استعادة الأموال المهربة إلى خارج لبنان، مؤكدا أن ذلك يساعد على تحقيق الإصلاحات وعلى ملاحقة من أساء استعمال الأموال العامة أو الأموال الأوروبية المقدمة إلى لبنان، أو هدر الأموال بالفساد أو بتبييضها وذلك استنادا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد"، وفقا للوكالة الوطنية للإعلام اللبنانى.
وحمل الرئيس عون الوزير لودريان تحياته إلى نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، شاكرا اهتمامه الدائم بلبنان وحرصه على مساعدته فى المجالات السياسية والاجتماعية والصحية والتربوية كافة.