نعرف أن أحوال الدنيا ليست ثابتة، فأحيانًا نكون فى شقاء ثم ينعم الله علينا بالخير الوفير، فيخرجنا مما نحن فيه إلى أفق أوسع، ودنيا غير الدنيا، كما يقولون، وأحيانا نكون بالفعل فى نعمة فيختبرنا الله فيها بالنقصان أو الزوال، كى يظهر أصلنا الحقيقى أنشكر أم نكفر.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة هود "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" وهنا تستوقفنى حدة الرد من الإنسان المتمثلة فى اليأس من الخير والكفر بـ باقية نعم الله عليه.
واليأس – حمانا الله وإياكم منه – أمر صعب لأنه يعنى انقطاع الأمل، مما يترتب عليه العجز عن العمل، وعدم الرغبة فيه، حيث نتوقف آسفين على ماض قد تولى، وذلك يورث القلب "كسرة" ويورث الروح "وهنًا" ويجعل الأيام متعاقبة مُرَّة لا غد فيها.
والكفر – أعاذنا الله وإياكم منه – يعنى إنكار نِعم الله الأخرى، وكأن النعمة المسلوبة هى كل ما نملك، وهذا الإحساس نوع من القسوة مع الذات، وتعمل هذه القسوة على تحجر القلب وعزله عن الحقيقة، كما أنها تورث الروح "غلظة" وتجعلها ثقيلة مثل حجر إن سقط فى ماء لا يثير سوى الوحل.
وهذا الحال الذى ذكرناه من اليأس والكفر بالنعمة يدل على عجز الإنسان وقلة حيلته وضيق أفقه، ويأتى ذلك لأن الإنسان لا يدرك حقيقية أن الفضل الذى هو فيه من نعم الله سبحانه وتعالى بالتالى إن نزع الله منه هذا الفضل وهذه الرحمة، فهو لم يأخذ منه شيئا يخصه بل أخذ منه كرما سبق أن منحه له، ولعل المتأمل فى حال الدنيا يعرف أنها تعطى وتأخذ، وأنه عندما ينقص شيء يعوضنا الله بشيء آخر، هذا إن انتبهنا لدائرة الخير، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن ننتبه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة