أكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن القيادة المصرية على قناعة بأن حل القضية الفلسطينية هو المدخل الرئيسى لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.

وشدد إبراهيم - في مقال له بعنوان "قراءة فى زيارة السيد رئيس المخابرات العامة إلى إسرائيل وفلسطين" نشره موقع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم الثلاثاء، على أن مصر تتحرك في القضية الفلسطينية بأسلوب إيجابي متدرج في إطار خطة أشمل تأخذ فى اعتبارها كافة المستجدات الناجمة عن الأحداث الأخيرة.

وأشار إلى أن كافة الجهود المصرية تهدف في النهاية إلى توفير المناخ الملائم نحو استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي لابد أن تبدأ وتتوصل إلى تنفيذ الحل المتفق عليه فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً وهو حل الدولتين.

وقال اللواء محمد إبراهيم: "قبل أن أتعرض إلى الأبعاد الخاصة بالزيارة شديدة الأهمية التي قام بها السيد رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل إلى كل من إسرائيل وفلسطين يومي 30 و31 مايو، أرى ضرورة الإشارة إلى نقطة رئيسية من المهم توضيحها حتى تكون الصورة متكاملة ومفادها أن الدولة المصرية منحت القضية الفلسطينية الأولوية الأولى في تحركاتها خلال هذه المرحلة نظراً لحساسية التطورات الأخيرة وإرتباطها بالإستقرار في المنطقة، ولعل من أهم مميزات هذه المرحلة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقود ويتابع بنفسه هذا الملف وتطوراته المتلاحقة من أجل أن يمنحه الزخم المطلوب خاصة وأن الأمر يتعلق بقضية معقدة ومتعددة الجوانب ومرتبطة تماماً بالأمن القومي المصري".

وأضاف: "من هنا انطلقت زيارة رئيس المخابرات العامة إلى إسرائيل وفلسطين والتي إكتسبت أهميتها من خلال أبعاد خمسة".
واستعرض اللواء محمد إبراهيم تلك الأبعاد، حيث أشار إلى أن الزيارة جاءت تكليفاً من القيادة السياسية بهدف الحفاظ على قوة الدفع التي نجمت عن الأحداث الأخيرة، ومن أجل الإتفاق على كافة الإجراءات والخطوات التي من شأنها الحيلولة دون تكرار هذا التصعيد مرة أخرى.

وأوضح أن توقيت تلك الزيارة جاء فى أعقاب أيام قليلة من النجاح الذي حققته مصر وشهد له العالم أجمع في التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة بعد حرب تدميرية إستمرت إحدى عشر يوماً.

ولفت إلى أن الزيارة إشتملت على كل من إسرائيل وفلسطين بشطريها الضفة الغربية وقطاع غزة، وشهدت لقاءات أجراها رئيس المخابرات مع أعلى المستويات السياسية سواء في إسرائيل مع رئيس الوزراء نتنياهو وأهم القيادات الإسرائيلية العسكرية (وزير الدفاع بينى جانتس) والأمنية (مستشار الأمن القومى مائير بن شابات)، أو في رام الله مع الرئيس أبو مازن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أو في قطاع غزة مع قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية.

ونوه بأن اللقاء الذي تم مع نتنياهو جاء في وقت تدرك فيه مصر أن هناك احتمالات بألا يستمر في منصب رئيس الوزراء نظراً لاستمرار يائير لابيد في مشاورات قد تنجح لتشكيل حكومة جديدة، وبالرغم من ذلك كان هناك حرص واضح من جانب مصر على أن تؤكد مواقفها وسياساتها الثابتة مع أية حكومة يختارها الشعب الإسرائيلي. 

ولفت إلى أنه تم نقل رسالة واضحة من الرئيس السيسي إلى الرئيس أبو مازن جوهرها أن مصر ستظل داعمة للشعب الفلسطينى ومقدراته بالفعل وليس بالقول، وأن مصر ترى في الرئيس الفلسطينى أنه عنوان ورأس الشرعية.

وتابع: "وفي نفس الوقت سعت الزيارة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية على مستويات ثلاثة"، فعلى المستوى المصري، فإن الزيارة تأكيد لاستمرارية الدور المصري في كل ما يتعلق بالأزمة الأخيرة والنتائج التي ترتبت عليها.

وأكد أن مصر ستكون حاضرة خلال الفترة القادمة مع كافة الأطراف والقوى من أجل الحفاظ على ما تم تحقيقه حتى الآن والبناء عليه.
ولفت إبراهيم إلى أنه على كافة الأطراف المباشرة والمعنية أن تثق في الموقف المصري وقدرته على أن يؤدى دوره خلال الفترة المقبلة بكل كفاءة مثلما تم بالنسبة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة.

وشدد على أن مصر لديها القدرة والخبرة على التعامل مع جميع الأطراف بكل شفافية وجدية ومصداقية، وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل والتنظيمات حيث أن ما يهم مصر في النهاية هو مصلحة الشعب الفلسطيني التى يجب أن تعلو فوق أية مصالح أخرى.

وتابع إبراهيم: "وعلى المستوى الإسرائيلي، فإن الزيارة أكدت ضرورة التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه فجر يوم 21 مايو ووضع كافة الآليات التي تكفل منع أي تصعيد جديد في الموقف فى إطار من التهدئة الشاملة".

وشدد على أهمية عدم اتخاذ إسرائيل أية إجراءات أحادية الجانب من شانها توتير الوضع مرة أخرى سواء فى مجال الاستيطان أو تهجير سكان القدس أو اقتحام القوات الإسرائيلية والجماعات اليهودية المتطرفة للمسجد الأقصى.
وأكد إبراهيم استعداد مصر للقيام بدور الوساطة فيما يتعلق بقضية تبادل الأسرى والمفقودين بين إسرائيل وحركة حماس وقدرة مصر على إنجاز هذا الأمر.

ونوه بأهمية أن تقوم إسرائيل بتقديم كافة التسهيلات المطلوبة من أجل تسهيل الحياة للسكان الفلسطينيين فى القطاع مثل فتح المعابر التجارية وإدخال السلع والبضائع المختلفة إلى القطاع. 

واستطرد إبراهيم، : "وعلى المستوى الفلسطيني ، فإن الزيارة تأتي تأكيدا على الدعم المصري الكامل والمتواصل للرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية حتى يتم تحقيق المتطلبات المشروعة للشعب الفلسطينى".

وشدد على استعداد مصر للمساعدة فى ترتيب البيت الفلسطينى والموافقة على استضافة القاهرة الاجتماع القادم للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية من أجل السير قدماً في مجال توحيد الموقف الفلسطينى.

وأكد حرص مصر على القيام بكل الجهد المطلوب من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني وإستعداد مصر لإستئناف جهود المصالحة الفلسطينية خلال الفترة القريبة القادمة.

ولفت إلى تأكيد الدور المصري الفاعل في مجال إعادة إعمار قطاع غزة وضرورة ألا يرتبط هذا الموضوع بأية مواقف سياسية أو أمنية أو مصالح حزبية حتى يمكن أن تنطلق عملية إعادة الإعمار في أسرع وقت ممكن، والاستعداد للقيام بدور الوساطة المطلوبة والفاعلة من أجل إنجاز صفقة جديدة لتبادل الأسرى.

وأوضح اللواء محمد إبراهيم أنه في نفس الوقت جاء لقاء رئيس المخابرات العامة مع قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية فى قطاع غزة ليؤكد حرص مصر على دعم الشعب الفلسطينى فى أعقاب الحرب التدميرية التى قامت بها إسرائيل ضد القطاع وما نجم عنها من خسائر بشرية ومادية ضخمة، وأن مصر ستكون من أولى الدول التى ستكون حاضرة عملياً فى موضوع إعادة إعمار غزة، ومن هذا المنطلق تم بالفعل خلال الزيارة وضع حجر الأساس لأول مدينة سكنية ستقوم مصر بتشييدها وسط القطاع.

وأشار إلى أن زيارة رئيس المخابرات إلى قطاع غزة حملت رسالة مصرية واضحة ومتكاملة المعانى موجهة من القيادة السياسية المصرية إلى كافة أطياف الشعب الفلسطينى بأن الوقت قد حان من أجل إنهاء الإنقسام وتوحيد شطرى الدولة الفلسطينية مرة أخرى حيث ترى مصر فى غزة أنها أحد شطري الوطن والدولة الفلسطينية المرتقبة وتأكيداً لمقولة أنه لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة.

وقال إبراهيم: "وفي رأيى أن هذه الزيارة التاريخية للقطاع لابد أن تجذب الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بشكلٍ سريع إلى مربع المصالحة الفعلية ويكفى 14 عاماً من الإنقسام اللعين الذي ينهش بقوة فى الجسد الفلسطيني مثله مثل قطار الاستيطان والتهويد الإسرائيلي الذي يسير بلا هوادة فى القدس وفي الضفة الغربية".

واستطرد: "ويتبقى التساؤل الهام بالنسبة للمستقبل القريب ماهو شكل التحرك الذي سيتم خلال المرحلة القادمة إرتباطاً بنتائج زيارة رئيس المخابرات؟.. وفي هذا المجال أرى أن الآلية المقبلة يمكن أن تكون في الإطار التالي، وهو أن مصر بحكم ثقلها ودورها وخبراتها واهتماماتها سوف يكون لها الدور الأكبر في الإنخراط في العديد من القضايا والموضوعات الجارية التى تحتاج إلى جهد فائق ومتابعة دقيقة من أهمها مراقبة ومتابعة تثبيت وقف إطلاق النار ومتطلباته، وإنهاء الإنقسام، وتوحيد الموقف الفلسطيني، وتبادل الأسرى".

ولفت إلى أن هناك مسئولية كبيرة تقع على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني فيما يتعلق بعدم اتخاذ أى منهما وخاصة الجانب الإسرائيلى أية إجراءات من شأنها توتير الموقف بينهما مرة أخرى وهو الأمر الذى سوف يساعد مصر على القيام بالمهام المتعددة الموكلة إليها والقادرة بإذن الله على إنجازها.

وأكد أن التحرك المصرى سوف يتواصل مع الجانب الإسرائيلى بغض النظر عن أية تغييرات يمكن أن تحدث فى الحكومة الإسرائيلية، حيث أن التحرك المصري يرتبط بالأمور الموضوعية وليس بالإجراءات الشكلية.

وشدد على أن موضوع إعادة الإعمار أصبح مسئولية دولية يجب أن يتم بلورة آلياتها فى أقرب وقت تأسيساً على موقف مصر التى أطلقت وسط الحرب مبادرة إعادة أعمار غزة وتقديم 500 مليون دولار فى هذا المجال، ومن المهم فى هذا المجال أن تكون الساحة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة مهيأة ومستعدة لهذا الحدث دون إثارة أية معوقات.

وبين أن إنهاء الانقسام أصبح هو الخيار الوحيد أمام كافة المسئولين الفلسطينيين بلا استثناء ولن تكون هناك أي وحدة أو تقدم فى الموقف الفلسطيني دون تحقيق هذه المصالحة.

واختتم مقاله بالتأكيد على أن مصر تتحرك في القضية الفلسطينية بإسلوب إيجابى متدرج في إطار خطة أشمل وتأخذ فى إعتبارها كافة المستجدات الناجمة عن الأحداث الأخيرة ومدى تعقيدات وتفصيلات هذه المستجدات، ومن ثم تحاول مصر التوصل إلى حلول عملية لكافة القضايا الحالية واحتواء أية مشكلات متوقعة يمكن أن تثار في المرحلة المقبلة، وفي كل الأحوال سوف تظل آليات التحرك المصرى قائمة ومتداخلة وفاعلة ومطلوبة فى كل وقت وحين. 

وتابع: "وفي ضوء ما سبق فلا شك أن كافة الجهود المصرية تهدف في النهاية إلى توفير المناخ الملائم نحو استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي لابد أن تبدأ وتتوصل إلى تنفيذ الحل المتفق عليه فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً وهو حل الدولتين ذلك الحل الوحيد الذي لا يجب أن نحيد عنه أبداً مهما كانت العراقيل بل نعمل على تنفيذه بأسرع ما يمكن حتى لا نصل إلى مرحلة يستحيل معها تطبيق هذا الحل على الأرض، وسوف تظل قناعة مصر الدائمة أن حل القضية الفلسطينية هو المدخل الرئيسي لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط".