كل مرحلة سياسية لها الأسئلة المطروحة، ومصر خلال أكثر من 10 سنوات فى مرحلة انتقالية، لم نتوقف فيها عن طرح الأسئلة، حول الحاضر والمستقبل، والصواب والخطأ، وداخل هذه السنوات العشر، هناك أخطر 7 سنوات، حيث دخلت مصر فى اختبار صعب من كل الجهات، الدولة نفسها مهددة، والأخطار ظاهرة، وكل منا يريد أن يعرف ماذا جرى، وما هو المستقبل؟
قطعت مصر على مدى تاريخها مراحل، فى ظل واقع واضح وتحديات معروفة، فالسياسة الإقليمية والدولية طوال الوقت تقوم على المنافسة والصراع والمصالح المتعارضة، لكنها كانت تجرى وسط خصومات ومنافسات معروفة، ومصر دائما كانت ضمن دوائر الشد والجذب، تسعى لانتزاع استقلالها، فى عالم يقوم على الأقطاب، وجرت تحولات درامية فى إقليم ساخن، ومنذ انتهاء الحرب الباردة دخلت المنطقة والعالم فى اختلالات رافقتها عمليات إسقاط دول مثل العراق وليبيا، وإدخال سوريا فى حرب بالوكالة.
ما يجعل العالم اليوم مختلفا عما كان أثناء الحرب الباردة بعد تدخل حروب المعلومات ضمن أدوات الحرب، بل وتلعب دورا أخطر مما يمكن أن تلعبه الأسلحة الثقيلة والنووية، حروب تقوم على الارتباط والضخ المعلوماتى بشكل يفقد الجمهور يقينه وثقته فى نفسه، وهناك أمثلة لدول تم تفجيرها من الداخل، من خلال إثارة النعرات الطائفية والعرقية، ليدخل المجتمع فى صراع لا نهائى.
نحن فى عالم تتفجر فيه المعلومات والأفكار والآراء، وتختلط فيه الحقائق بالأكاذيب والشائعات، الشاشات على مرمى إصبع، شاشات الفضائيات وأجهزة الكمبيوتر والموبايل، حيث تتجاور القصص الإخبارية مع الصور والفيديوهات، والجاد مع الخفيف والساخر.
عولمة تحاصر المواطن فى الشارع والمنزل، وفى كل ركن، وتطارده فى نومه وصحوه، وسط هذا الزحام من حق كل شخص أن يقول رأيه، وهو أمر يخلق حالة من التشابك، وأحيانا الضبابية والارتباك والتشكك والريبة، أنت تشك فى نفسك وفى جارك وفى كل قرار يصدر.
هناك من يصدق، ومن يسعى للمعرفة، خاصة فى عالم السياسة، فى الماضى كانت مصادر الأخبار والنشر والبث محدودة ومعروفة، صحافة تصدر مرة فى اليوم، وإذاعة، ثم تليفزيون بقنوات محدودة.
اليوم الأمر اختلف، هناك بث يمتد على مدى الساعة، من شاشات بلمسة إصبع، أسئلة واتهامات للإعلام بأنه عاجز عن إقناع الناس، بينما الإعلام والفن والنشر دوره أن يقدم الحقيقة، بما قد يمنح القارئ أو المشاهد، الحرية فى فهم ما يدور، والحكم عليه بشكل أقرب للدقة.
مصر لم تكن بعيدة عما يجرى، ولا خارج حسابات الإرباك، وظلت طوال السنوات الماضية مجالا للكثير من عمليات البث والنشر، وبعضه وربما أكثره يفتقد إلى المعلومات أو يقتطع التفاصيل من سياقها ليقدم صورة منقوصة.
لا أحد يمكنه إقناع الآخرين بما ليس موجودا، ودور الإعلام أن يقدم المعلومات ويسعى لتحليلها حسب ما هو متاح، حتى يمكن للجمهور الحكم والتقييم بعيدا عن تأثيرات الضجيج والاقتطاع.
وإذا كانت الأشياء تُعرف بضدها، فإن مراجعة التحليلات والتساؤلات والاتهامات التى واجهتها مصر على مدى السنوات، يمكن أن تسهل فهم الصورة بشكل أكثر وضوحا، واليوم تظهر قيمة الرسائل التى كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يطلقها فى مناسبات متعددة، «كلما تعرضت للهجوم اشتغل أكثر»، وتأكيده أننا لا يجب أن نخاف من أى تحد خارجى، طالما بقى المصريون يدا واحدة.
نجحت مصر فى مواجهة أكبر هجمات إرهابية جرت فى العقود الأخيرة، مدعومة بالمال والسلاح والمرتزقة، كما نجحت فى تحييد التنظيمات الإرهابية فى الغرب والشرق، والأهم هو إفساد الحرب الدعائية الأقوى، ومن يريد أن يعرف عليه مراجعة آراء وتحليلات وتوقعات منصات الدعاية السوداء، وكيف حاولت استغلال الإصلاح الاقتصادى لإثارة الشك، وصناعة حرب داخلية من الارتياب، حيث أعلنوا بكل ثقة أن الدولار سيصل إلى 150 جنيها، وأعلنوا بنفس الثقة أن خط مصر الأحمر فى ليبيا مجرد ادعاء لا يمكن تطبيقه، لكن نتائج الإصلاح ظهرت عندما صمد الاقتصاد فى أزمة كورونا التى هزت اقتصادات دول كبرى، وظل الخط الأحمر شاهدا على نفوذ إقليمى، ثم جاءت أحداث فلسطين لتؤكد النظرية.
وبناء عليه يمكن لمن يريد أن يعرف شكل المستقبل أن ينظر إلى مصر قبل 7 سنوات، وهنا الهدف ليس الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، ولكن أن نعرف أين نعيش وما العقبات والحروب التى خضناها بالإرادة والصبر، وهى دليلنا للمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة