ونحن نتحدث عن أهمية وجود نظام عربى وإقليمى قوى، فنحن نتحدث عن ضرورة استعادة القدرة العربية على حفظ التوازن الإقليمى والاستراتيجى، واستعادة المبادرة، بعد سنوات واجهت فيها المنطقة تحولات هددت بعض الدول، وأطاحت بالبعض الآخر إلى مصائر مجهولة.
وسواء اتفق البعض أو أنكر وجود خطط للتفتيت وإعادة التقسيم، فإن الواقع وما جرى، على مدى عقدين، كاف للبرهنة على حجم الخطر الذى واجهته المنطقة بشكل مؤكد.
ويكفى تطبيق الأمر على ظهور تنظيم داعش تزامنًا مع صعود تنظيمات متطرفة إلى السلطة فى بعض الدول، لنكتشف أن الأمر لم يكن مجرد مصادفات، بل هى نتائج تقوم على مقدمات، خاصة أن داعش ظهر فى وقت متزامن مع تحركات اتخذت فى البداية أبعادًا جماهيرية، لكنها مع الوقت أسفرت عن وقائع أخرى.
واللافت للنظر، أن مصر تعرضت لهجمات الإرهاب، تزامنًا مع صعود داعش فى الشام والعراق، وإعلان دولة الخلافة المزعومة بقيادة أبو بكر البغدادى، وعندما تصدت مصر كانت تعى أن الإرهاب ليس تهديدًا محليًا، لكنه جزء من شبكات علنية وسرية، تتقاطع مع تنظيم الإخوان أو التنظيمات المتطرفة وتقف خلفها شبكات تمويل ضخمة، ولهذا كانت حرب مصر ضد الإرهاب هى الأكثر اتساعًا وعمقًا، ومع هزيمة الإرهاب فى مصر تراجعت قوة داعش وتوابعه فى أكثر من دولة.
وحرصت مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، طوال هذه السنوات على التعامل مع الإرهاب والتهديد، باعتباره قمة الجبل الظاهرة، وأن المواجهة يفترض أن تشمل كل الجيوب والامتدادات، كانت مصر تواجه حربًا متعددة الأطراف، تتم بالوكالة عن دول وتنظيمات، ولم يكن الإرهابيون سوى الجزء الظاهر، ولهذا حرصت الدولة المصرية على مواجهة كل عناصر التهديد والحملات الدعائية، ونجحت فى تحييد الكثير من هذه النقاط، بالكثير من الجهد، ومن خلال عمل فى كل الاتجاهات.
وقد تزامن هذا التحول، مع واقع دولة يشهد توترًا وإعادة بناء للعلاقات الدولية، وسط منافسات اقتصادية وسياسية، ظهرت فى صراع واتهامات بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية اتهامات لروسيا بالتدخل والهجوم السيبرانى على الولايات المتحدة، فضلًا عن الصراع التجارى بين الصين وأمريكا والذى بلغ أقصاه فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وما يزال قائمًا، مع تفكير أمريكى فى سحب القوات من العراق وأفغانستان.
وجاء الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، والذى لا تزال تأثيراته قائمة، بل إن بريطانيا قد هاجمت أوروبا أثناء انعقاد قمة السبع الكبار، بسبب قواعد التجارة البينية. واليوم تستمر الاتهامات بين أوروبا وأمريكا من جهة، والصين من جهة ثانية، بينما التقى الرئيسان الروسى والأمريكى، فلاديمير بوتين وجو بايدن، فى القمة الأولى بينهما فى جنيف لبحث العلاقات الثنائية وعدد من القضايا الدولية، وصدر إعلان مشترك بشأن إطلاق «الحوار الثنائى الشامل حول الاستقرار الاستراتيجى» بين البلدين.
كل هذا يشير إلى أن الدول الكبرى لا تزال مشغولة بمصالحها وأهدافها، وأن هناك نظامًا عالميًا يتشكل، وعلى العالم العربى أن يكون جاهزًا للتعامل مع هذا الواقع بتصورات وخطط، تناسب ما يملكه من قدرة على الفعل.
ومن هنا يمكن التعامل مع مساع وتحركات عربية للتجمع، والتعامل بشكل فاعل أكبر مما كان خلال العقد الماضى، وقد تحققت بالفعل بعض الأهداف فى تقليل التوترات والانخراط فى حلول ومفاوضات سياسية، فى سوريا والعراق، وأيضًا فى ليبيا، مع تراجع كبير للصراعات، ومن واقع مقارنة الحال قبل عام فى هذه المناطق، يمكن اكتشاف حجم التحول، وهو واقع يمكن البناء عليه فى اتجاه مستقبل أكثر استقرارًا بعد سنوات من الصراع.