لم تتوقف التفاعلات والتحولات فى السياسة الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، وهى تحولات ترتبط بالمصالح والمنافسات الاقتصادية والتجارية، وتضع الدول الكبرى فى حالة دفاع وهجوم متبادل، ما يجعلها أكثر انشغالا بمصالحها واستراتيجياتها عن أى تدخل آخر فى القضايا الإقليمية، وهو وضع يحتم على التجمعات الإقليمية أن تسعى لتقوية وجودها وقرارها حتى يمكنها حل أزماتها أو مواجهة مصائرها من دون انتظار لقوى دولية تركز على مصالحها، وتسعى لحسم الصراعات والحروب الباردة.
الرئيس الروسى بوتين، فى إبريل الماضى، اتهم قوى غربية بمحاولة «مطاردة» روسيا، محذرا تلك القوى من تجاوز «خط أحمر»، بل إنه خلال شهور ما بعد توليه، أشار إلى أن الولايات المتحدة تكون رؤيتها من تقارير استخبارية مشكوك فيها، خاصة تقارير عن تدخلات روسيا وإيران فى الانتخابات الرئاسية 2020، وقتها دعا بوتين، نظيره الأمريكى، لحوار عبر الإنترنت، على أن يكون مباشرا، ودون أى شىء مسجل مسبقا، فى نقاش مفتوح ومباشر.
بايدن أعلن فى برنامجه الانتخابى عن «احتواء الصين»، أو مواجهة وتحجيم روسيا، لكنه الآن يبدو فى موقع مختلف، يلتقى فى قمة مع نظيره الروسى، وما زال يسعى إلى احتواء الصين، والموقف من الصين انعكس فى قمة السبع، حيث حذر قادة وزعماء الناتو فى القمة التى انعقدت فى بروكسل، من التهديد العسكرى الذى تمثله الصين، التى توسع ترسانتها النووية، وأن تحركاتها اتسمت «بالغموض» فيما يتعلق بتطوير الجيش.
الرئيس الأمريكى حذر فى قمة بروكسل من «تحديات جديدة» قد يجد حلف شمال الأطلسى نفسه فى مواجهتها للتعامل مع روسيا والصين، حيث يعتبرهما لا تتصرفان بالطريقة المرجوة، فيما أكد على «الحاجة إلى تنسيق أكبر» بين الحلفاء، مشيرا إلى الأهمية التى يمثلها الحلف بالنسبة للمصالح الأمريكية، وتبدو هنا أولوية لدى الولايات المتحدة تجاه التهديد الصينى.
.
بايدن، فى تصريح صحفى، خلال قمة مجموعة السبع، اعتبر أن القوى «الديمقراطية» تخوض منافسة مع الدول التسلطية، وليس فقط مع الصين، مشددا على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى نزاع معها، بينما دعت مجموعة السبع إلى إجراء دراسة جديدة تقودها منظمة الصحة العالمية حول منشأ فيروس كورونا فى الصين، وطالب بيان الصين بـ«احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية» فى كل من إقليم شينجيانج وهونج كونج.
وردت الصين ببيان السفارة الصينية فى لندن، وصفت فيه بيان زعماء قمة السبع، بأنه تدخل صارخ فى الشؤون الداخلية لبلادها، داعية المجموعة إلى الكف عن تشويه صورة بكين، وقالت: يتعين على مجموعة السبع «G7»، أن تفعل المزيد من أجل تعزيز التعاون الدولى، بدلا من التسبب بشكل مصطنع فى المواجهة والاحتكاك.
هذه السياقات تشير إلى استمرار انشغال القوى الكبرى بحروبها الباردة، ومواجهات تحمل طابعا سياسيا، لكنها تتعلق بالنفوذ والمنافسة التجارية والاقتصادية، فلم يتوقف الرئيس الأمريكى السابق ترامب، عن مواجهة تجارية وتنافسية مع الصين، اتسمت بطابع خشن فيما يتعلق بفرض رسوم، لمواجهة منافسة المنتجات الصينية لمنتجات الولايات المتحدة، وربما يكون حقق بعض النتائج لصالح الاقتصاد الأمريكى، لكن بايدن وقمة السبع يتحركان فى مواجهة ما يعتبرونه نموا للقوة العسكرية الصينية.
ويتم إشهار الملف الحقوقى ضمن البيانات والإصدارات المختلفة، وهو ملف غالبا ما يتم توظيفه بشكل سياسى، فى كل خلاف أو منافسة، بل إنه ملف يتم إشهاره أيضا فى الخلاف مع روسيا، أو أى دولة مختلفة مع الولايات المتحدة، وهذا لا يقلل من قيمة الملف الحقوقى، لكن هو استعمله بشكل مزدوج، ففى حالة تحسن العلاقات يتم إخفاء الملف، وفى أول خلاف يوقظ ليعاد توظيفه، وهو ما يقلل من قيمة الاتهامات فى هذه الزوايا.
لكن كل هذا لا ينفى وجود خلافات ضمن محاولات إعادة بناء النظام العالمى، التى تستمر منذ ما بعد الحرب الباردة، وترى كل من روسيا والصين أن الولايات المتحدة تتصرف بنفس خطاب التسعينيات، متجاهلة حجم النمو فى القوى السياسية والاقتصادية لموسكو وبكين.
الصين أصبحت تمتلك قدرات اقتصادية أكبر مما كانت، وروسيا تمتلك مفاتيح التحرك فى قضايا إقليمية، وأعادت بناء علاقاتها بشكل يختلف عما كان بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتى، وقد لخص الرئيس الروسى هذا فى قوله «إن الولايات المتحدة لا تزال تريد التصرف كدولة عظمى وحيدة»، فى إشارة إلى أن موازين القوى تغيرت فى اتجاهات عديدة، وهذا ما تردده الصين بصياغات أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة