عادل السنهوري يكتب.. معاني خاصة بالشعب العراقي وقيادته تحملها زيارة الرئيس السيسي لبغداد.. قمة مصر والعراق والأردن تؤكد على المصالح المشتركة.. كيف تحقق العواصم الثلاثة الاستفادة من مشروع " الشام الجديد"

الأحد، 27 يونيو 2021 04:52 م
عادل السنهوري يكتب.. معاني خاصة بالشعب العراقي وقيادته تحملها زيارة الرئيس السيسي لبغداد.. قمة مصر والعراق والأردن تؤكد على المصالح المشتركة.. كيف تحقق العواصم الثلاثة الاستفادة من مشروع " الشام الجديد" زيارة الرئيس للعراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ اللحظة الأولى لهبوط طائرة الرئاسة المصرية أرض المطار في العاصمة العراقية بغداد وخروج الرئيس عبد الفتاح السيسي منها إعلانا لزيارة تاريخية هي الأولى منذ أكثر من 30 عاما لرئيس مصري إلى العراق الشقيق، كان هناك شعورا استثنائيا مفعما بالسعادة والبهجة والفرحة واضحا في الوجوه، وساكنا في وجدان كل عراقي اختزله وعبر عنه الرئيس العراقي برهم صالح وهو يستقبل أخيه الرئيس السيسي في مظاهر استقبال رئاسية تجاوزت الإجراءات الاستثنائية لبروتوكولات الزيارات الرسمية منذ انتشار فيروس كورونا.

حفاوة الاستقبال والزيارة الأولى لرئيس مصري منذ منتصف عام 1990 دفعت الرئيس العراقي إلى مد يديه لاحتضان الرئيس السيسي، الذي بادله المشاعر الأخوية الصادقة في لحظة الاستقبال.

لم يكن هذا هو المشهد الأول اللافت في الزيارة التي تحمل الكثير من المعاني والدلالات الخاصة بالقيادة العراقية وبالشعب العراقي الشقيق بصورة خاصة. فزيارة رئيس مصر – أو عزيز مصر كما وصفته كتابات عراقية- تحمل في طياتها معاني البشرى والبشارة بالخير واستبشارا بهذا الرئيس المنقذ لوطنه وأمته، والذي حقق نهضة وتنمية تشبه المعجزة على ضفاف النيل. ولعلها تتكرر على ضفاف دجلة والفرات. فالمشهد الثاني، لحظة عزف الفرقة الموسيقية العراقية داخل القصر الحكومي أثناء الاستقبال الرسمي للرئيس ومصافحته لوزراء الحكومة العراقية موسيقى أوبريت " وطني حبيبي الوطن الأكبر" لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بأداء غنائي لعبد الحليم حافظ ووردة وصباح وشادية ونجاة وفايدة كامل في الستينات. اختيار الفرقة الموسيقية العراقية موسيقى وطني حبيبي ليس صدفة أو عشوائي وإنما كان اختيارا معبرا ومؤكدا على معاني عديدة، أهمها عروبة العراق وانتماءه التاريخي والحاسم لهويته وحضارته وتاريخه العربي في ظل وجود رئيس أكبر دولة عربية حملت على عاتقها العمل طوال أكثر من 75 عاما  على الوحدة العربية والتضامن العربي، ودعم النظام الإقليمي العربي منذ الدعوة لتأسيس الجامعة العربية.

زيارة الرئيس إلى بغداد لها معاني خاصة جدا لدى الشعب العراقي وقيادته، فمصر في قلب بغداد والعراق في قلب القاهرة، واهتمامها وفى بؤرة اهتمام سياستها الخارجية.  فالشعب العراقي يكتب مرحلة جديدة الأن في تاريخه السياسي لاستعادة دفء أمته العربية من جديد بداية من الشقيقة الكبرى مصر

الآن يجمع مصر والعراق والأردن تحالف ثلاثي، أو آلية تعاون جديد يرتكز على المصالح الاستراتيجية الكبرى والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني. وهذه هي القمة الثالثة لتحالف " المشرق الجديد"- كما سماه بعض الخبراء والمتخصصين في الشئون العربية - فالأولى كانت في القاهرة في مارس 2019 والثانية في أغسطس 2020 في الأردن والثالثة الحالية في بغداد – وما أدراك ما بغداد- في يونيو 2021 لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين الدول العربية الثلاث في مختلف المجالات وتنسيق المواقف المشتركة تجاه القضايا والتحديات التي تواجه الأمة العربية. وبدأت على الفور مراسم الجلسة الرسمية التي جمعت الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للبناء على ما تحقق وتقييم التطور في مختلف مجالات التعاون بينهم، فالاجتماعات السابقة ركزت على البنى التحتية والتنسيق المشترك لمحاربة التنظيمات الإرهابية.

التوقعات من القمة الثلاثية الحالية في بغداد تنطوي على أهمية فيما يتعلق بالتحرك نحو الأفق العربي بخطوات عملية وواقعية.

والرئيس السيسي أعرب عن أمله في أن تكون القمة الثلاثية في بغداد " تدشينًا لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الوثيق بين بلداننا سعيًا نحو التنمية المستدامة والرخاء لشعوبنا". لافتا ألى أن "وجودي في العراق تجسيد لقوة العلاقات بين بلادنا وشعوبنا ويدل على مدى حرصنا على دعم هذه العلاقات وتطويرها نحو أفاق أرحب".

الرئيس السيسي أكد أيضا أن "القمة الثلاثية فرصة لاستمرار التشاور في ظل ما تشهده المنطقة من تدخلات إقليمية مرفوضة تهدد الأمن القومي العربي"، مشيرا إلى أن بلاده تسعى لخير المنطقة وشعوبها وتمد دائمًا جسور التعاون لمحيطها.

قمة الأردن في أغسطس 2020 ، أكدت على "أهمية تعزيز التعاون. في المجالات الاقتصادية والحيوية كالربط الكهربائي ومشاريع الطاقة والمنطقة الاقتصادية المشتركة" بينها.

وأظهرت القمم المتواصلة بين الدول الثلاثة على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية، تنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي بين البلدان الثلاثة ، عبر تعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية وزيادة التبادل التجاري، وذلك في إطار جهود حثيثة قائمة على رؤية استراتيجية شاملة لتأسيس تكامل سياسي اقتصادي تجاري أمني بين الدول الثلاث، مصر والعراق والأردن، قائم على الأهداف التنموية المشتركة، في إطارُ مشروع يطلق عليه ”الشام الجديد“ أو ”المشرق الجديد“، وهو المصطلح الذي كشف عنه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في حوار مع صحيفة ”واشنطن بوست“ خلال زيارته إلى واشنطن في أغسطس الماضي.

 ويأتي تحرك مصر في مسار ضرورة تطوير التعاون مع الأردن والعراق، انطلاقا من حرصها كركيزة الاستقرار في المنطقة العربية، على الحفاظ على الأمن القومي العربي، وتعزيز التنسيق المشترك في المواقف مع بغداد وعمان. ويسهم التعاون بين الدول الثلاثة في صياغة رؤية عربية واحدة تجاه أزمات المنطقة، والمتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية وفي مقدمة هذه الأزمات، القضية الفلسطينية، والملف الليبي والسوري والأمن المائي العربي وتحقيق التكامل العربي

كما تستهدف مصر من هذا المسار فتح آفاق جديدة للتعاون مع العراق والأردن، ولا سّيما في مجالات النفط والغاز، ضمن استراتيجية مصر لتكون مركًزا إقليمًيا لتجارة وتداول الغاز والبترول، والتي ُوقع في شأنها اتفاق مع عمان وبغداد على إنشاء خط بترول يبدأ من البصرة جنوب العراق مروًرا بمدينة الزرقاء الأردنية ثم إلى مدينة العقبة، يتم عن طريقه نقل النفط الخام إلى مصر للتكرير أو التصدير، بجانب مجالات البنى التحتية، وخاصة دعم عملية إعادة الإعمار في العراق بالتعاون مع شركات المقاولات المصرية.

التجربة المصرية في الإصلاح الاقتصادي والتنمية، ملهمة للعديد من الشعوب العربية الطامحة الى البناء والعمران والسلام، والعراق بدأ يستعيد عافيته، ولديه الرغبة في استلهام التجربة المصرية وتعزيز التعاون مع مصر في المجالات الاقتصادية والتجارية وحرص العراق على الاستفادة من الخبرات المصرية في مجالات البنى التحتية لإعادة إعمارالبلاد بعد القضاء على تنظيم داعش.

وانطلاقا من علاقة الجوار التي تربط الأردن بمصر، تشهد العلاقات المصرية الأردنية تطوًرا كبيًرا مع القيادة السياسية الحالية للبلدين، وتنسيًقا سياسًيا إزاء مختلف القضايا الإقليمية وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

تعود فكرة مشروع الشام الجديد إلى عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وتم استكمالها من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدى وفقا لما تم إطلاقه ”آلية التعاون الثلاثي“ في إطار قمة القاهرة مارس 2019 والقمة المنعقدة على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك سبتمبر 2019 ،ثم جاء الكاظمي لتطوير الفكرة لترتقي إلى تحالف تكاملي بين الدول الثلاث ويرتكز المشروع في جوهره على التعاون الاقتصادى في مجالات الطاقة والكهرباء حيث يتم في مجال الطاقة مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن ثم إلى مصر،ويقوم العراق باستيراد الكهرباء من مصر والأردن، بالإضافة إلى تطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم الابتكار وريادة الأعمال والتعاون في قطاعات الصحة والبنية التحتية بالإضافة إلى زيادة التبادل التجاري.

 الاستفادة من المشروع تتحقق للدول الثلاث، فمصر سوف تتمكن من الاستفادة من تصدير الكهرباء إلى الأردن والعراق، حيث حققت مصر فائضا في إنتاج الكهرباء بأكثر من 27 ألف جيجاوات نتيجة لمشروعات إنتاج الكهرباء التي أنجزتها خلال السنوات السبع السابقة ،ومن ثم تسعى مصر إلى توقيع اتفاقيات للربط الكهربائي ضمن خطتها للتحول لمركز إقليمي للطاقة.بالإضافة إلى أن خط أنبوب النفط الممتد من ميناء البصرة جنوب العراق إلى العقبة في الأردن إلى مصر يتيح لمصر تنويع واردتها من النفط ويقلل من اعتمادها على عقود النفط قصيرة الأجل التي تعرضها للتذبذب في أسعار النفط، حيث سيؤمن النفط الخام لمصر بشكل مستمر.

 وقد بدأت مصر الحصول على النفط العراقي الخام في أبريل 2014 بواقع 12 مليون برميل سنويًا، وكذلك سيؤدي المشروع إلى تقليل فاتورة استيراد النفط حيث ستحصل مصر على النفط العراقي بأقل من ثمنه بـ 16 دولارا للبرميل، وفتح السوق العراقي والأردنى أمام الصادرات المصرية.

ويحقق المشروع للعراق جزًءا من احتياجاته من الكهرباء عن طريق مصر؛ إذ يعاني هذا البلد من أزمة طاقة حادة دائما ما تكون الدافع وراء اندلاع احتجاجات عنيفة في البلاد من وقت لآخر ويحتاج العراق إلى 22 ألف جيجاوات من الكهرباء في حين أنه ينتج نحو 12 ألف جيجاوات فقط ،وبالإضافة إلى أزمة الكهرباء، يعاني العراق من أزمة بطالة حادة وارتفاع معدلات التضخم والفقر، لذلك سيفتح هذا المشروع بابا أمامه لتدفق الاستثمارات المصرية في قطاعات متنوعة وخاصة الطاقة وإمكانية إقامة مدن صناعية وتجارية مشتركة، ما يوفر فرصا للعمل وينقل خبرات مصر و الأردن في مجالات الصناعة والتجارة إلى القطاع الخاص العراق وسيجعل من الأردن ومصر سوَقا للمنتجات العراقية.

 يمثل مشروع الشام الجديد أهمية للأردن بما يجعله مركًزا لوجستًيا إقليمًيا لتبادل النفط والكهرباء والبضائع. كما سيقلل المشروع من فاتورة استيراد النفط، إذ سيحصل عليه أيضا بسعر أقل بنحو 16 دولارا للبرميل. فالأردن يحصل بالفعل على النفط العراقي بهذا الخصم في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في 5 فبراير 2019، والتي حصلت بموجبها عمان على النفط الخام العراقي للمرة الأولى بواقع نحو10 آلاف برميل يومًيا، تشكل 7 %من حاجة البلاد للطاقة، وتوفر 160 دولارا يومًيا تقريبا، أي نحو 4.8 مليون دولار شهريا. وهو ما سيساعد الأردن في الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة التي ضاعفتها جائحة كورونا.

 ويمكن القول أن مصر والأردن والعراق عازمة على التنسيق المشترك بما يحقق التكامل العربى وهوما تجسد فى عقد لقاءات بشكل مستمر وآخرها اجتماع القاهرة بين وزراء خارجية الدول الثلاث كخطوة مكملة لما سبقها من لقاءات، فى محاولة للتوصل إلى آلية لتنفيذ مشروعات الربط الكهربائي أو مد خطوط لنقل النفط ،بالإضافة إلى مساهمة الشركات المصرية في إعادة الإعمار في العراق، أيضا سيستمر التنسيق بين مصر والأردن والعراق سواء على المستوى الثلاثى أو الثنائي ومنها اجتماع اللجنة المصرية العراقية المشتركة في بغداد لتنسيق التعاون في مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي وفي مجال الموارد المائية والبيئة والاتصال وتكنولوجيا المعلومات.

مجمل الأمر أن المشروع الجديد للدول العربة الثلاثة يتوقع منه إحداث تغييرات تاريخية لم تشهدها المنطقة من قبل لما له من مردودات ايجابية واقتصادية وتجارية عالية جدا للدول الثلاث وبالطبع لا يمكن تغافل الجانب السياسي.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة