مثقف أثره ليس فيما ينتجه من أعمال أدبية فقط، لكن سيرته تسير جنبا إلى جنب منجزه القصصي والروائي، وبصمته في خريطة المسرح العربي تؤكد أن صاحب "رقصة سالومي الأخيرة" خير امتداد لزمن الأدب الرفيع، إنه الكاتب الكبير محمد سلماوي.
منذ ولادته عام 1945، وتخرجه وانطلاقه، كرس مسيرته لخدمة زملاء الكتابة في الصحافة والأدب، فأنتخب عضوا لمجلس نقابة الصحفيين، ورئيسًا لاتحاد كتاب مصر قرابة السنوات العشر.
ثلاث دورات متتالية قضاها محمد سلماوى، رئيسًا لاتحاد الأدباء العرب، ولم يقتصر نشاطه داخل الحدود العربية فقط، فكان أمينًا عامًا لاتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، الذي زادت رقعته ليضم دول أمريكا اللاتينية أيضًا، فكان خير مثال للكاتب النشط على أرض الواقع، وفى الجانب السياسى أيضا كان له شأن فكان عضوا ومتحدثا باسم اللجنة التأسيسية لدستور عام 1914.
في كل ألوان الكتابة له بصمته الخاصة، فكان جديرا بأن تترجم أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، وبعض نصوصه المسرحية تعرض على مسارح باريس وواشنطن ومونتريال ومولهايم.
مسرحياته نذكر منها "فوت علينا بكرة"، و"اتنين تحت الأرض"، أو حتى المجموعات القصصية الثمانية، التي منها "إزيدورا والأتوبيس" و"عشر برديات مصرية" و"ما وراء القمر"، ويعتبرها محبوه إحدى درره، وفى مجال القصة والرواية صدر له «الرجل الذي عادت إليه ذاكرته» (1983)، «الخرز الملون» (1990)، «باب التوفيق» (1994)، «وفاء إدريس وقصص فلسطينية أخرى» (2000)- «أجنحة الفراشة» (2011).
مؤخرا صدر له كتب ثمينة تجمع السيرة الذاتية بالكتابة الأدبية البليغة، فقدم من "يومًا أو بعض يوم"، ويمكن القول بأن سيرته الذاتية هى شهادة وافية عن مصر فى مراحل مختلفة، استطاع سلماوى بما يملكه من وثائق وصور وتفاصيل مكتملة الأركان أن يقدمها لنا مستغلًا كونه أديبًا كبيرًا.
فى مذكرات محمد سلماوى، الصادرة عام 2017، عن دار الكرمة للنشر والتوزيع، الجميع حاضر الجغرافيا والتاريخ والثقافة، الشخصيات والحكايات، كل شىء يتطور أو يتغير أو ينتهى، هنا الجميع يدخل دائرة الأحداث، فالحكام، ملوك ورؤساء ووزراء وأصحاب رأس المال، لديهم مشكلاتهم، وهنا أيضًا البسطاء، موظفون وعمال ومفكرون ومثقفون وحالمون، لديهم أزماتهم، لا أحد يمر فى مذكرات محمد سلماوى إلا وقد تورط فى الحكاية وتحول إلى بؤرة للأحداث.
وكانت آخر محطاته فى الكتابة الساخرة، عبر كتاب يحمل عنوان "العفريتة"، الذى انتقد فيها سلماوى بعض الأوضاع السياسية والاجتماعية محليا ودوليا، ومنها قضية التطرّف الدينى والصراع العربى الإسرائيلى وحرية التعبير والأوضاع الصحفية وبعض السياسات الحكومية، ليكون استكمالا لإنتاج أدبى وفكرى كبير مع إبداعات كبيرة جعلته على مقعد الكبار في عالم الثقافة العربية والعالمية.
"سلماوى" كان محط تكريم العديد من المؤسسات العالمية، ودول العالم، وسام التاج الملكى البلجيكي من الملك ألبير الثاني، عام 2008 - وسام الاستحقاق من الرئيس الإيطالي كارلو تشامبى، عام 2006 - وسام الفنون والآداب الفرنسي، عام 1995، وأخيرا جائزة النيل، وسام القدس عام 2017، وأخيرا جائزة النيل فى الآداب لعام 2020، لتكون تتويجا لمسيرته الإبداعية الكبيرة والممتدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة