واحد من أكبر المبدعين المصريين، شهرته تخطت الحدود المحلية والإقليمية، له دور بارز ومؤثر فى الحياة الثقافية والسياسية المصرية أيضا، استطاع خلال مسيرة امتدت لعقود، وبإنتاج أدبى كبير تنوع بين المسرح والرواية والقصة والترجمة والكتابة الصحفية، أن يصنع اسما كبيرا فى عالم الإبداع، ويصنع مجدا عظيما سوف يصاحب سيرته أبدا، أنه الأديب والكاتب المسرحى الكبير محمد سلماوى.
مشوار محمد سلماوى الكبير فى الأدب جعله واحدًا من أبزر الكتاب والمبدعين المصريين فى العصر الحديث، وكانت له مكانة جعلته يحوز على ثقة الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ ليلقى عنه خطابه أمام لجنة نوبل فى حفل تكريم الأخير بجائزة نوبل فى الآداب عام 1988م، فصار واحدا من مقربيه وحوارييه لازمه حتى أيامه الأخيرة، ومسيرة "سلماوى" أيضا كان فيها العديد من المناصب التى أضاف إليها صاحب "أجنحة الفراشة" بفكره ومواقفه الواضحة كرئيس اتحاد الكتاب المصريين والعرب، أو متحدثا باسم اللجنة التأسيسية للدستور 2014.
حاز الأديب الكبير محمد سلماوى، مؤخرا على جائزة النيل فى الآداب، أكبر وسام تمنحه الدولة، ممثلة وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، عن مجمل مسيرته الكبيرة والممتدة إلى عقود، ولا يزال قادرا على الإبداع والمساهمة الفكرية الكبيرة فى الأوساط الثقافية المصرية.
"اليوم السابع" التقى مع الأديب الكبير بعد فوزه بجائزة النيل فى الآداب، وكان لنا هذا الحوار عن الفوز، ومسيرته الأدبية والثقافية، وإلى نص الحوار:
- محمد سلماوى حصل على جوائز كبرى وتم تكريمه فى كثير من دول العالم.. ما شعورك بعد تكريمك بأكبر وسام مصرى؟
هذا التكريم مهم لأنه من مصر، ولأن جائزة النيل هى أكبر جائزة تمنحها الدولة، لذلك فالتكريم يختلف هذه المرة عن كل الجوائز والأوسمة التى حزتها من الخارج سواء من دول أجنبية أو عربية أو أفريقية، فى السنغال وفى فلسطين، فضلا عن جوائز أخرى من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، لكن لم يكن لدي من مصر سوى جائزة الدولة التقديرية، والآن تأتى جائزة النيل باعتبارها تتويجا لمسيرة حياة كاملة لذلك لها مكانة خاصة فى قلبى.
- تنوع إنتاج محمد سلماوى الكبير بين المسرح والرواية والقصة القصيرة والترجمة.. بجانب عملك المميز كاتبا صحفيا.. ما النوع الأدبى الأقرب لك؟
أنا صاحب قلم، هذا القلم يكتب ما يشاء، ويظل صاحبه كاتبا فى جميع الأحوال، فالقلم قد يكتب المقال، أو المسرحية أو القصة أو الرواية أو المذكرات، فى جميع الأحوال هو نفس القلم ونفس الكاتب، معبرا عن نفس الرؤية، لأن الكاتب فى النهاية رؤية يعبر عنها من خلال أعماله، فقد يكون له موقف فلسفى فى الحياة تجده منعكسا فى كل كتاباته، أو قد يكون له موقف سياسى معين تجده أيضا منعكسا فى مقالاته كما فى مسرحياته أو رواياته لأن الكاتب فى النهاية لا يتجزأ، ويندر أن تجد كاتب متخصص فى جنس واحد مثل الرواية، حتى نجيب محفوظ نفسه، والذى كتب أكثر من 40 رواية، كتب أيضا نحو 350 قصة، وحوالى 7 مسرحيات أو 8 من ذوات الفصل الواحد، والتخصص لا يمنع أن ينتقل القلم من جنس إلى آخر.
- وما أقرب عمل إلى قلب محمد سلماوى؟
عندى دائما عمل مقرب، لكنه يتغير عندما يصدر عمل جديد، العمل الأخير هو الاقرب لقلبى دائما، لاننى أكون لازالت لم انفصل عنه، لكن ما أن أقوم بكتابة عمل آخر وكتاباته حتى يكون ذلك الأخير هو الأقرب.
- محمد سلماوى كان من أوائل الكتاب الذين تصدوا للإرهاب فى أعماله ومن أشهرها "الجنزير" التى حققت نجاحا كبيرا وتم عرضها أيضا فى باريس.. كيف ترى المعطيات الفكرية والثقافية فى مواجهة التطرف الآن؟
الحقيقة أن المواجهة مع الإرهاب فى العقود الماضية كانت مواجهة أمنية فقط، لأن السلطة السياسية على مدى عقود لم تكن تر فى الإرهاب إلا جانبه الإجرامى، فكانت تتعامل معه كجريمة يقوم الأمن بالتصدى لها بعد حدوثها لكنه لا يحول دون وقوعها، حيث غاب عن السلطة السياسية التعامل مع ما وراء الجريمة، وهو الفكر الذى يولد الجريمة ويأتى ترجمة له، وكان يجب التصدى له بالفكر أيضا لكن هذا لم يحدث.
بالطبع كانت هناك محاولات فكرية مهمة، لكنها كانت فردية جاءت من المثقفين أنفسهم وفى معظم الأحيان جاءت رغما عن السلطة السياسية.
أنت ذكرت فى سؤالك مسرحية "الجنزير" التى كانت أول مسرحية تحذر من الإرهاب باسم الدين، ولك أن تعرف أن هذه المسرحية ظلت مسارح الدولة ترفض تقديمها لمدة 3 سنوات، بحجة أنها تمثل خطرا، وقد تؤدى إلى إثارة أصحاب هذه الاتجاه، وهذا يعنى أن الدولة لم تكن مدركة لأهمية التصدى فكريا للإرهاب، بل أنها أيضا لم تشجع على مواجهته، وكانت تتصدى لمثل هذه المحاولات التى تأتى من المثقفين، ولو كانت الدولة انتبهت لهذه المحاولات لكانت تجنبت الكثير من الأزمات التى حدثت بعد ذلك.
ومسرحية "الجنزير" على سبيل المثال تبنأت بالأحداث التى حدثت فى البلاد قبل وقوعها بسنوات طويلة، فهى تتحدث عن عائلة مصرية اختطفها الإرهابيون كرهينة، وقد تحققت تلك النبوة عندما وقعت مصر كلها رهينة فى يد الإخوان بعد ثورة 25 يناير، رغم أن المسرحية عرضت عام 1995، وكتب قبلها ب3 سنوات.
إنما حاليا نجد أن ظاهرة الإرهاب قد تراجعت بشكل ملحوظ خاصة فى مصر، ولكننا مازلنا فى حاجة للتصدى للجذور الفكرية لهذه الظاهرة، لأننا إذا تركناها، وإذا وجدت المناخ الصالح بعد ذلك، سنجد أنها مثل أى جذور تبنت ما لا نرجوه أونتمناه.
- حدثنا عن مذكراتك.. متى يصدر الجزء الثانى من مذكرات "يوما أو بعض يوم" وعن أى فترة تتحدث؟
فى الجزء الأول تناولت الحقبة الزمنية من عام 1945 وحتى مقتل الرئيس السابق أنور السادات فى عام 1981، أما الجزء الثانى فيتحدث عن الفترة من عام 1982 وحتى 2015، وبالتالى فهو يعالج فترة الرئيس حسنى مبارك، والتى أرى أنها انقسمت إلى ثلاث فترات تختلف كلا منها عن الأخرى. ثم اتحدث عن قيام ثورة 25 يناير، وحكم جماعة الإخوان، ثم قيام ثورة 30 يوليو، وبعدها صدور الدستور الجديد للبلاد، الذى بمقتضاه بدأت مرحلة جديدة تماما فى تاريخ مصر، قائمة على الاستقرار وإعادة البناء والإصلاح، وهى الفترة التى نعشها الآن، والكتاب بمثابة تأريخ لهذه الحقبة الزمنية اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وشخصيا.
كذلك أتحدث عن فترة رئاستى لاتحاد الكتاب، والمعارك التى خضتها، وعضويتى فى المجلس الاستشارى الذى قام بتشكيله المجلس العسكرى بعد الثور، وأذكر أسباب استقالتى، والتى لم أكن أعلنتها من قبل، واتطرق لعضويتى بلجنة الدستور التى كنت متحدث رسميا باسمها، والمعارك التى دارت اللجنة مع بقايا أصحاب الأراء الدينية وينتهى الكتاب بإقرار الدستور الجديد.
والجزء الثانى سوف يصدر بعنوان "العصف والريحان" وهى عبارة مقتبسة من سورة الرحمن، وسيصدر خلال هذا الشهر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.