"ما الفلسفة؟ ومتى تموت الفلسفة؟ ومتى تحيا؟، كلها أسئلة حائرة فى عقول الكثير، وهو ما حاول الكثير من الفلاسفة النزول بأفكارهم إلى أرض الواقع؛ محاولين القضاء على الاغتراب الذى دائمًا ما يتهم به أرباب الفلسفة، وهو ما قام به المفكر والفيلسوف حسن حنفى، حيث حاول من خلال مقالاته فى تلك الفترة إعادة الفلسفة من حالة الاغتراب، وفى كتابه "دراسات فلسفية (الجزء الثانى): فى الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة".
ويتساءل الدكتور حسن حنفى فى بداية كتابه، هل الفلسفة هى البحث الخالص عن الحقيقة المجردة؟ ويرى أن هذا التعريف فى حقيقة الأمر نظرى أكثر منه واقعي؛ إذ لا توجد حقيقة مجردة بل توجد حاجات ومطالب وأهداف وبواعث وأوضاع اجتماعية محددة فى عصور وأمكنة معينة. المجرد لا وجود له فى الذهن ولا فى الواقع لأنه معاش فى تجربة أولًا بما فى ذلك المفاهيم الرياضية والتصوُّرات المنطقية. ولم يكن هناك على مدى الفكر البشرى أى بحث مجرد عن الحقيقة حتى ولو أعلن الفيلسوف ذلك لأن الشمول مطلبٌ إنسانى يتجاوز به الإنسان حدوده الفردية والاجتماعية والتاريخية.
ويعتقد أن علاقة الفلسفة بالسلطة علاقة قديمة، فالفلسفة التى تظهر فى مجتمع تعلن اكتشاف الفكر، وتبين ما غاب عن الأذهان. ولما كان العرف الشائع والأنظمة الاجتماعية القائمة لا يقومان إلا على العقائد الموروثة التى تكون حينئذٍ أكبر دعامة للنظام، اصطدم الفكر بالسلطة القائمة، سلطة التقاليد الموروثة أو سلطة النظم الاجتماعية. السلطة واحدة ولكنها تتنوع فى الظاهر. أولها سلطة الموروث القديم المتمثِّل فى العقائد والعرف والتقاليد والأفكار الشائعة والعادات وما أَلِفه الناس.
ويوضح أنه تنشأ الحاجة إلى ترك الفلسفة والأخذ بالمذهب عندما ينشأ دافع الاستحواذ ورغبة التسلُّط والحاجة إلى الدفاع عن النفس ضد مخاطر الفلسفة التى تعنى الفكر الحر والحوار المفتوح والتقدم المستمر. حدث ذلك مرات عدة فى تاريخ الفكر البشرى وفى عددٍ من الحضارات الإنسانية. حدث ذلك لأوَّل مرةٍ فى الحضارة الغربية بعد نشأة المسيحية وأخذها الطابع الأخلاقى الروحى العملى وتحويلها لقلوب الناس، وتغييرها لأساليب حياتها. فجاء بولس ونظَّم العقائد، وصاغ النظريات، ووضع كل ذلك فى مذهبٍ عقائدى صارم يكفِّر ما سواه، ويعتبر أصحابها من «العلماء الكَذَبة» حمايةً للعقيدة، وتأسيسًا للسلطة، ودفاعًا عن الكنيسة.
ويذهب "حنفى" إلى أنه تموت الفلسفة إذا ما أصبحت مهمة العقل — وهو أداة الفلسفة الأولى — هى تبرير المعطيات سواء كانت دينية أو سياسية، والدفاع عنها دون أن يقوم بوظيفته الأولى فى التحليل والفهم أولًا ثم فى نقد الواقع والأوضاع القائمة ثانيًا، بل يقتصر على التبرير لما يفهم دون نقد أو تغيير ودون إحداث أى تأثير فى الواقع، فالفهم والتغيير كلاهما من وظائف العقل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة