مساء أمس الخميس تعلقت عيون ملايين المصريين بشاشات الفضائيات لمتابعة جلسة مجلس الأمن لمناقشة أزمة سد النهضة بناءا على مشروع القرار الذي قدمته تونس الدولة العربية العضو غير الدائم في المجلس.
الجلسة التي استمرت حوالى 4 ساعات تباينت حولها ردود أفعال ومشاعر المصريين بين غضب وعتاب واحباط من كلمات بعض الدول الصديقة التي عبرت عن موقف مغاير للموقف المصري وخاصة من الدول الكبرى صاحبة الحق في الرفض والاعتراض داخل مجلس الأمن وتحديدا روسيا، ورضا بعض الشيئ عن مواقف دول آخرى..
الجلسة بالأمس ربما ينظر اليها المصريون على أنها جلسة كاشفة للمواقف وموضحة لحقائق على الأرض قد لا تبدو في اللقاءات والجلسات الرسمية. ولذلك جاءت الدهشة وحالة الاستغراب والإحباط على قدر عدم المعرفة بحقائق جديدة في " لعبة الأمم" في عالم صار أكثر واقعية وتحكمه المصلحة فقط والمصالح المتبادلة.
كلمة المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، كانت الأكثر اهتماما من المصريين. فقد توقعنا أن تأتي الكلمة في صالح الموقف المصري خاصة أن صباح اليوم ذاته حملت أنباء سارة بموافقة الرئيس الروسي بوتين على عودة رحلات الطيران الى المنتجعات المصرية. لكن تفاجئ المتابعون أن الكلمة حملت الكثير من عدم التوافق مع الموقف المصرى، حيث ذكر المندوب الروسي في كلمته ان "صب الزيت على النار والتهديد باستخدام القوة أمر يجب منعه وتفاديه"- في تلميح مفهوم- رغم أن مصر لم تهدد صراحة باستخدام القوة فى حين أن عسكريين أثيوبيين كثيرا ما ذكروا اللجوء للقوة المسلحة بدء من رئيس الوزراء أبي أحمد عندما قال فى اكتوبر 2019 أنه يمكن حشد مليون جندى للدفاع عن سد النهضة، ثم رئيس أركانه.
قال المندوب الروسي " أفضل طريقة هو التفاوض على الوثيقة بين كل دول حوض النيل التي يجب أن تحدد طرق استخدام المياه بشكل متساوِ". كما أنه غير راضى على دخول أطراف دولية كوسطاء أو مراقبين وقال: "رفع عدد الوسطاء أو مراقبي المفاوضات لن يضيف قيمة".
التفاؤل بالموقف الروسى تحكمت فيه عدة عوامل أهمها تاريخية العلاقات المصرية السوفيتية، متانة العلاقات الحالية مع روسيا وريثة الاتحاد الروسي، وحجم العلاقات الاتجارية والاستثمارية لروسيا في مصر ثم أخيرا عودة السياحة الروسية. لكنه جاء " مخيبا للأمال" رغم تشابه الموقف المصري من موقف روسيا – مثلا- في جزيرة القرم عندما تعلق الأمر بالامن القومي الروسي
عموما علينا أن ندرك أننا نعيش في عالم متغير تمام عن عالم الخمسينات والستينات وحتى السبعينات. فروسيا اليوم، ليست الجمعية التعاونية السوفيتية السابقة كما قال بوتين في بداية حكمه وهى تتعامل مع الأخرين وفقا لطبيعة المصالح وتوافقها في بعض الملفات وتقاطعها في ملفات آخرى. وربما هنا في ملف سد النهضة، المصلحة الروسية هي المتحكمة في الموقف الروسيى في مجلس الأمن.
الموقف الأخر جاء من أفريقيا ومن دولة صديقة هي كينيا عبر مندوبها الدائم في مجلس الأمن ، فالموقف الكينى كان غريباً لدولة عانت من اثيوبيا التى انشأت سلسلة سدود على نهر أومو وتسببوا فى انخفاض مستوى بحيرة توركانا الكينية لعدة سنوات بالاضافة إلى الأضرار الاقتصادية والبيئية، ويؤكد في كلمته على أحقية دول المنابع فى إقامة المشروعات وأن مشروعات التنمية لاتهدد الأمن فى اشارة إلى عدم اختصاص مجلس الأمن لمناقشة قضايا المياه. وقال نصا:"نحن نقف مع الدول الثلاث ونعترف بتساويها وحق شعوبها المتساوي في التنمية والازدهار، ونثني على صاحب السعادة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا رئيس الاتحاد الأفريقي السابق الذي أطلق المفاوضات بين الدول الثلاث ونثني على حكومات مصر وإثيوبيا والسودان على إيمانها وثقتها بقدرة الاتحاد الافريقي وآلياته للوساطة، ونعترف باحترام وندعم ولاية الوسيط الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وندعو كل الأطراف التي تدعم هذه العملية إلى الالتزام بتوفير خبراتها بما يضمن الموارد الكافية لحل المسألة".
بشكل عام، باقى الكلمات أقرب الى الحياد و" امساك العصا من المنتصف" وكان هناك شبه اجماع من معظم الأعضاء على ضرورة استئناف المفاوضات فى أسرع وقت تحت رعاية الاتحاد الأفريقى وبمساعدة من الأمم المتحدة وجهات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي. والاعتماد على القانون الدولى واعلان مبادئ سد النهضة 2015 كأساس للوصول الى اتفاق لقواعد الملء والتشغيل، الامتناع عن اتخاذ أى إجراءات أحادية تعوق المفاوضات
كلمات أخرى مثل أميركا والمكسيك والصين توافقت مع كثير من الطلبات التي تضمنها المشروع العربي عن طريق تونس، وحاز اعلان مبادئ سد النهضة رضا كثير من أعضاء المجلس كأساس يبنى عليه اتفاق الملء والتشغيل.
أوناننجا أنيانجا المبعوث الأممي للقرن الأفريقي جاءت كلمته حاسمة وحازمة وشاملة لتاريخ المفاوضات وفضح للمراوغات الاثيوبية، كما كانت كلمات أمريكا وانجلترا شاملة لكثير من بنود مشروع القرار.
الكل وتحديدا مصر والسودان في انتظار الجلسة القادمة لمجلس الامن لاصدار القرار الخاص بالأزمة ووقتها يكون لكل حدث حديث. فمصر جاءت كلمتها على لسان وزير الخارجية الهمام سامح شكرى حاسمة وواضحة ولا لبس فيها. فمصر لن تستمر فى مفاوضات دون حلول جذرية، وما يهمنا كلمة مصر التي أكد فيها وزير الخارجية على أن:
-التعنت الإثيوبي المستمر سبب الإخفاق في المفاوضات حول سد النهضة، وأن مصر مستمرة فى رغبتها فى التوصل لـ حل سلمي بشأن سد النهضة، وأن مصر منذ فترة طويلة تبحث عن حل ولكن جميعها باءت بالفشل.
- إثيوبيا تتخذ قرارًا أحاديًا ولا تنظر للمشكلات التى تقع على دولتى المصب مصر والسودان.
-هذا السلوك الفج من الجانب الإثيوبي، يجسد سوء النية وفرض الأمر الواقع، وأن النهج الإثيوبي وتصرفاتها الأحادية المستمرة تفضح تجاهلها بل وازدراءها لقواعد القانون الدولي.
- سد النهضة يهدد وجود مصر، وذلك على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها مصر، و أن أضرار السد ستنتشر كالطاعون.
-أن المجتمع الدولي عليه أن يبذل كل جهد لمنع تحويل السد لتهديد وجودي لمصر.
وأنه في حالة تهديد أمن ووجود مصر فستتخذ الإجراءات التي ستحفظ وجودها.
-لو لم يجبر مجلس الأمن أثيوبيا على التوقف عن الملء المنفرد للسد، فأن مصر ستضطر لاتخاذ الاجراءات الازمة لحماية مقدرات وجودها وحياة مواطن
- من الأهمية بمكان أن يبذل المجتمع الدولي كل جهدٍ ممكن، بما في ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة من خلال مجلس الأمن، لاستباق هذه الاحتمالية ومنع تحول السد الإثيوبي إلى تهديد وجودي لمصر.
ويتطلب ذلك قيام المجلس بمطالبة الأطراف – وبشكل لا لبس فيه – للعمل على الوصول إلى اتفاق منصف، وفي إطار زمني محدد، وتشجيعها على العمل الصادق ودون مواربة لتحقيق هذا الهدف المنشود.
وإذا لم تتحقق هذا الغاية ... وإذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقائها للخطر ... فلا يوجد أمام مصر بديل إلا أن تحمي وتصون حقها الأصيل في الحياة وفق ما تضمنه لها القوانين والأعراف السائدة بين الأمم ومقتضيات البقاء.
هذا هو الأهم ..وهذا هو موقف مصر القوى والواثق والقادر أيضا....