القرار الذي ينتظره أبناء النيل في مصر والسودان خلال الأيام المقبلة من مجلس الأمن هو العودة الى المفاوضات وفقا لمدة زمنية محددة، والالتزام بعدم اتخاذ أية إجراءات أحادية، والتوصل الى حل يضمن تحقيق التنمية في أثيوبيا وتوفير الطاقة وعدم الاضرار بدولتي المصب السودان ومصر.
لكن بافتراض – وربما متوقع- صدور القرار بهذه الصيغة هل ستلتزم أثيوبيا بقرار المجلس الدولي الذي اتخذ قبل ذلك قرارات بلغت حدتها وسقفها الأعلى ضد العراق وصربيا أو حدها الأدنى بالعقوبات والحصار الاقتصادي مثلما حدث مع سوريا وليبيا وإيران وكوريا الشمالية حتى لو كان بتنفيذ أمريكي.
الرأي الغالب لدى خبراء ومتخصصين في ملف أزمة سد النهضة يميل الى أن اثيوبيا لن تستطيع عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن، لأن الدول التي لم تنفذ قرارات مجلس الأمن سيتم اتخاذ العديد من القرارات ضدها منها الانهيار الاقتصادي ولها الحق في استخدام قوات عسكرية، وإثيوبيا ليست بالسذاجة التي تجعلها لا تلتزم بتنفيذ قرارات المجلس
بل الأمر وفقا للأكثر تخصصا في انشاء وبناء السدود قد يأتي لصالح الجانب الأثيوبي الذي يدرك أن السد قد يتعرض للانهيار عندما تصل نسبة التخزين به إلى 74مليار، بالتالي يشكل خطرا حقيقيا على السودان ومصر، فالسد لن يتحمل، والخطورة على السودان لأنه سيسبب دمارا شاملا على الدولة، ولكن إثيوبيا لن تتضرر لوجودها على الحدود. وبصورة عامة فأن نسبة ملء السد حالياً تصل إلى 5 مليارات متر مكعب من المياه فقط
الأمر الأخر أن الدبلوماسية المصرية ناجحة الى حد كبير في اظهار قوة منطق الدولة المصرية ومصداقية موقفها واتساقه وتماشيه مع القانون الدولي في مسألة الأنهار المشتركة والدول المتشاطئة، وتركيز خطاب مصر على التعاون لصالح الشعوب، والطرح المتوازن الذي يراعى مصالح الآخرين، وتقديم بدائل فنية وعلمية قوية وجادة تحقق مصالح كل الأطراف. لكنه في الوقت ذاته موقف قوى يمتلك حجته في اتخاذ اية إجراءات تحمي وتصون مصالحه وأمنه القومي وموارده المائية
ومصر خلال الفترة الماضية أظهرت الموقف الأثيوبي بالتلاعب والتعنت أمام الرأي العام العالمي وان كنا بحاجة الى جانب الدبلوماسية الى أدوات آخري لوضع الدولة الأثيوبية في خانة " الدولة المارقة" أمام الرأي العام العالمي واظهارها بأنها تسعى الى الاعتداء على الحقوق الطبيعية للمياه للشعوب المجاورة وحقها في الحياة في أمن واستقرار.
لا بد أن نسارع – مصر والسودان- الى إطلاق حملة إعلامية مكثفة في عواصم الدول الكبرى لجذب تعاطف وتأييد الرأي العام فيها للحقوق المصرية والسودانية في مياه نهر النيل الذى لا يمثل أكثر من 7 -8% فقط من اجمالي المياه التي تحصل عليها أثيوبيا سنويا من الأمطار الطبيعية. بالتالي فبناء السد على الحدود السودانية وعلى النيل الأزرق تحديدا لا علاقة له بالطاقة أو بحصص المياه وانما هو " كيد سياسي" وغرض من وراءه دول آخري تسعى الى حصار مصر وتعطيشها وتحويل المياه الى مصدر طاقة يباع وفقا لنظرية العرض والطلب.
المفارقة أن كل ذلك معروف ومكشوف وخاصة للدول الأوروبية والأفريقية والولايات المتحدة الذين شاركوا في المفاوضات للدول الثلاثة في السنوات الماضية. تلك الأطراف تعي جيدا العيوب الفنية والأهداف السياسية وراء بناء السد
ولذلك جاء الخطاب الأثيوبي الذي ألقاه وزير المياه متلون ومتخبط ويذهب في كل اتجاه بخبث لا يخفي على أحد حتى أنه يهدد مجلس الأمن بأنه سيفتح أبواب جهنم اذا وافق على المطالب المصرية والسودانية.
وهنا نصيحة –إذا جاز لي- لبعض الأصدقاء بشأن الموقف الروسي. وهو ألا ننجرف الى عملية الهجوم والانتقاد الشديد والتحول الى خانة العداء، فالعلاقات بين الدول الآن لم تعد كما كانت في الماضي فالمصالح هي المتحكمة وبشدة. وقد تتفق معنا روسيا في بعض الملفات وتتقاطع مصالحها معنا في ملفات آخري وفقا لمصالح كل طرف سياسيا واقتصاديا
فالقضية أو الأزمة الخاصة بسد النهضة تتقاطع فيها مصالح دول كثيرة دولية وإقليمية والنظام السياسي المصري الحالي يدفع ثمنا باهظا بآثر رجعى لدبلوماسية وسياسة مصرية اختارت الانزواء والانكفاء والابتعاد عن أفريقيا لأكثر من 40 عاما تاركة الساحة لألد الأعداء ولأقرب الأصدقاء الفاعلين والمؤثرين في الأزمة وفى باقي أزمات المنطقة من العراق وسوريا وحتى ليبيا واثيوبيا والقيادة السياسية المصرية مدركة وواعية لذلك وخطواتها حتى الأن واجراءاتها تتسم بالحكمة والصبر بالتوازي مع الاستعداد لأية سيناريوهات آخرى.
ما يجب التركيز عليه في المرحلة الحالية والمقبلة الحرص المصري على التعاون وعلى التوازن في تبادل المصالح والمنفعة المشتركة، وإظهار أثيوبيا بأنها " الدولة المارقة" التي تهدد بسياستها الرعناء الأمن والاستقرار في منطقة شرق أفريقيا في ظل الحروب الداخلية والأزمات الاقتصادية التي تهدد الدولة الاثيوبية
مصر الواثقة تدير الملف بهدوء وحكمة مع الجاهزية للتعامل مع كافة الخيارات الأخرى وربما هذا الهدوء والثقة في التحرك المصري في مقابل الرعونة الأثيوبية مع القلاقل داخل أثيوبيا في إقليم التيجراي وأمهرة. وهناك مكاسب عديدة تتحقق على الأرض
وربما يأتي النصر المصري دون اللجوء للخيار الأكثر صعوبة في ظل الفشل المتوالي للإدارة الأثيوبية سواء في التعامل السياسي والعسكري مع قبائل وأقاليم الداخل أو مع ملء السد.
فهناك توقعات بالتداعي السياسي لأركان الدولة بعد الهزيمة النكراء لقوات الجيش الأثيوبي النظامية في التيجراي.