رهان يبدو متبادلا بين الصين والدول العربية، في المرحلة الحالية، مع تغير الظروف الدولية، واتجاه العالم بقوة نحو نظام دولى جديد، لن تنفرد فيه قوى دولية واحدة بالهيمنة، وهو ما يترجم الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الصينى وانغ يى إلى مصر، وتحديدا في مدينة العلمين، والتي تمثل انعكاسا صريحا للتوجه الصينى نحو منطقة الشرق الأوسط، من البوابة العربية، خاصة وأن مصر تبقى قلب العروبة النابض، والدولة التي تمكنت بقوة من العودة إلى قيادة منطقتها، بعد سنوات الضعف والفوضى، وهو ما تجلى في قدرتها على فرض رؤيتها في العديد من القضايا الإقليمية التي شغلت الرأي العام العالمى، في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمة الليبية، ناهيك عن مواقفها المؤثرة في سوريا، وعودتها الناجحة إلى العراق.
التقارب الصينى مع العرب، لا يقتصر على التقارب مع مصر، باعتبارها القيادة الحقيقية لمنطقتها، وإنما اتخذ منحىً جماعيا، عبر جامعة الدول العربية، حيث شهدت الزيارة لقاءَ هاما مع أمينها العام، أحمد أبو الغيط، ليكون اللقاء بمثابة فرصة هامة لتصعيد الشراكة بين الجانبين، عبر التعاون في مختلف القضايا الدولية، بالإضافة إلى الاتفاق على عقد قمة عربية صينية، في العام المقبل، يمكن من خلالها تطوير مستوى التعاون، بين بكين والعرب، سواء على مستوى الدول، أو على المستوى الجمعى، إلى أعلى مستوى، في ظل حالة الزخم التي باتت تحظى بها الصين، بين الشعوب العربية ومؤسساتهم، نظرا لمواقفها التي يرى قطاع كبير من المتابعين أنها أكثر مرونة، وعدالة، إذا ما قورنت بقوى أخرى، تتبنى منهج المساومة فيما يتعلق بحقوق الدول العربية، وعلى رأسها حقوق الفلسطينيين.
ولعل التوجه الصينى نحو العرب، يحمل في طياته خطة ذات مسارين متوازيين، أولهما، الرهان على منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد توجه القوى الدولية الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، نحو الانسحاب، أو على الأقل تخفيف وجودها في المنطقة، ولو بصورة مرحلية، لتكثيف نشاطها في مناطق أخرى، سواء في أوروبا الشرقية أو منطقة المحيط الهادئ، وذلك من أجل حصار المنافسين لها، على قمة النظام الدولى، على غرار الصين وروسيا، وهو ما يخلق حالة من الفراغ، يسمح لبكين القيام بدور فعال في المنطقة، في ضوء إمكاناتها الاقتصادية، نفوذها السياسى، الذى يؤهلها لذلك بقوة.
وبالتالي يبقى الرهان على العرب، لتوطيد النفوذ الصينى في الشرق الأوسط، أمرا بديهيا، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة مفادها أن الدول العربية تمثل الأغلبية بين دول المنطقة، كما أن الشعوب العربية، تحمل العديد من المشتركات، التي لا تتوافر في الشعوب الأخرى، وأهمها اللغة والثقافة، بالإضافة إلى الدين، وهو ما يمثل عوامل نجاح كبيرة من شأنها، تعضيد موقف بكين في المنطقة، على حساب القوى المنافسة لها، في ضوء تجارب سابقة وحالية، فشلت فيها الولايات المتحدة في تحقيق استقرار حقيقى، على غرار ما شهده العراق في سنوات بعد الغزو، أو المخاوف الحالية في أفغانستان إثر الانسحاب الأمريكي دون تحقيق ضمانات أمنية قوية.
أما المسار الثانى، فيقوم على رهان بكين على الدول النامية، بشكل عام، حيث تسعى الصين إلى تغيير وجهة الصراع الدولى، بعيدا عن الرؤية الأمريكية، عبر تقديم نفسها باعتبارها المدافع الأول عن حقوق الدول النامية والفقيرة، في مواجهة الأطماع الدولية، في مقدرات الشعوب، وثرواتهم.
وتعد الرؤية الصينية القائمة على فكرة الدفاع عن حقوق الدول النامية، ليست بالأمر الجديد تماما، فقد سبق لها وأن وانبرت للدفاع عن حقوقهم في مواقف سابقة، وإن كان ذلك على استحياء، على غرار رفضهم للمساواة بين الدول النامية والمتقدمة، فيما يتعلق بمسألة خفض الانبعاثات الكربونية، عند الحديث عن قضية التغيرات المناخية، مع بداية إثارتها على المستوى الدولى، حيث تبنت موقفا يقوم على أن أزمة المناخ جاءت بسبب ثورات الغرب الصناعية، وبالتالي فعليهم تحمل المسئولية الأكبر تجاه حلها، عبر مستويات أعلى من الالتزام بخفض تلك الانبعاثات.
الموقف الصينى تطور بعد ذلك مع الأزمات المتواترة، وأخرها مع اندلاع أزمة كورونا، حيث سعت إلى تقديم المساعدات إلى العديد من الدول، وفى القلب منها الدول العربية، لدعمها في احتواء الجائحة، سواء عبر اللقاحات، أو الأجهزة التي يحتاجها المرضى، أو الأسرة، من أجل استيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى، في المستشفيات، مع عجز بعضها عن استقبال الأعداد المتزايدة من المصابين.
بينما يبقى الرهان العربى، على الصين، منطقيا، مع تراجع الثقة إلى حد كبير في القوى الدولية الأخرى، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي تمثل محور القضايا العربية، أو غيرها من القضايا، خاصة في أعقاب "الربيع العربى"، والذى كشف عن حقائق عدة، أهمها زيف الدعاية الغربية حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وأن مثل هذه الشعارات ما هي إلا ذرائع للتدخل في شئون الدول وتحويلها إلى مناطق فوضى، لتحقيق أهداف القوى الكبرى، وأهمها السيطرة على ثرواتهم ومقدراتهم