"امتلك عقار أنا وأشقائي ورثناه من ابينا، إلا أننا من فترة لأخرى نفاجأ بمشاكل لم تكن في الحسبان، منها أن هناك شقة مؤجرة ومحرر لها عقد ايجار منذ عام 1978 والمستأجر غير مقيم نهائياَ في العقار من أكثر من ربع قرن - 25 سنة – وكل أهالي المنطقة يشهدون بذلك الأمر، وسبق له اخطار إدارة الكهرباء والمياه بأن الشقة مغلقة".. بهذه الكلمات بدأ الحاج "أمين. س"، 54 سنة، محافظة القاهرة، سرد مأساته لـ"اليوم السابع" في محاولة لإيجاد حلول قانونية.
وتابع: "الشقة بالفعل كانت مغلقة طيلة 30 سنة، والمستأجر حالياَ مقيم في شقة تمليك في إحدى المناطق السكنية، والغريب أنه رغم أن الله فتح عليه، إلا أنه لا يريد ترك الشقة رغم محاولة التفاوض معه أكثر من مرة، ولكن المؤسف أننا فوجئنا أن المستأجر يريد أن يزوج ابنه بها، فهل هذا جائز من الناحية القانونية؟".
هل تقديم شهادة لشركتى الغاز والكهرباء بـ"غلق الشقة" يبيح للمؤجر الطرد؟
يقول الخبير القانوني والمحامي سامي البوادى إن القاعدة فى قوانين إيجار الأماكن أن ترك العين المؤجرة للغير دون موافقة المالك من أحد الأسباب التى تجيز للمالك إخلاء العين المؤجرة، والتي أوردها المشرع على سبيل الحصر، إلا أن المشرع استثنى من ذلك الترك الوارد بالمادة 29/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977، وبالنظر للفظ "الترك" الوارد فى الموضعين:
1-الأول منها ورد بالمادة 29/1 من القانون 49 لسنة 1977.
2-ورد بالمادة 18/ج من القانون 136 لسنة 1981.
ووفقا لـ"البوادى" في تصريح فى بيان الموضع الأول: ورد لفظ "الترك" بالمادة 29 فقرة 1 من القانون 49 لسنة 1977 مع عدم الاخلال بحكم المادة "8" من هذا القانون لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقي فيها زوجه أو أولاده أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة أو الترك، والبين من استقراء هذا النص أن المشرع قد أورد مفهوم "الترك" بهذه المادة لتبيح امتداد عقد إيجار الشقة السكنية لأقارب المستأجر الأصلي وهم الزوجة أو الأولاد أو الوالدين إذا ما قام المستأجر الأصلي بترك العين المؤجرة لهذه الفئة فقط من الأقارب الذين عددتهم المادة سيتمتع بمزية الامتداد القانوني لعقد الإيجار للشقة السكنية.
ما هو الترك الذى يبيح الامتداد؟
وبحسب "البوادى" - الترك الذى يبيح الامتداد يقوم على عنصرين أساسين أحدهما مادى والآخر معنوي، والمادي يتمثل فى هجر المستأجر الأصلي الإقامة بالعين المؤجرة على وجه نهائي مع بقاء الزوج أو الأولاد أو الوالدين بالعين المؤجرة وقت الترك، والمعنوي يتمثل فى نية التخلي عن العلاقة الإيجارية بمحض إراداته..
وفى ذلك استقر قضاء النقض على:
المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن المقصود بالترك الذي يجيز للمقيمين مع المستأجر البقاء في العين المؤجرة والامتداد القانوني لعقد الإيجار في مفهوم المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977، هو الترك الفعلي من جانب المستأجر مع بقاء من كانوا معه وقت حصول الترك بشرط استمرار عقد الإيجار قائماً ويجب أن يتوافر في الترك عنصران، أولهما مادي يتمثل في هجر الإقامة على وجه نهائي والثاني معنوي بأن يصاحب هجر الإقامة فيها عنصر التخلي عن العلاقة الإيجارية لغيره بمحض إرادته عن طواعية واختيار أما عن ورود لفظ "الترك" بالمادة 18/ج من القانون رقم 136 لسنة 1981 والتي قررت:
لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المُتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية أبرزها:
- إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمستأجر الأصلي.. أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً وذلك دون إخلال بالحالات التي يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوي القربي وفقا لأحكام المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977.
فالبين من استقراء هذا النص أن المشرع قد أورد مفهوم "الترك" بهذه المادة كسبب من أسباب إخلاء العين المؤجرة، ومما سبق يتبين:
– أن هناك فارق بين مفهوم الترك فى المادة 29 فقرة 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ومفهوم الترك فى المادة 18 فقرة ج من القانون رقم 136 لسنة 1981.
-إذا المفهوم الأول للترك يبيح الامتداد لأقارب المستأجر الأصلي "الزوج أو الأولاد أو الوالدين"، إذا ما توافرت شروطه على نحو ما سبق بيانه.
-وفى المفهوم الثانى للترك يجيز للمالك فسخ وإخلاء العين المؤجرة إذا ما توافرت شروطه.
الترك الذى يبيح الطرد
واسترشاد بما استقرت عليه محكمة النقض نجد أن استخلاص ترك المستأجر للعين المؤجرة وتخليه عنها للغير أو نفى ذلك من سلطة محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروطا بأن تقيم حكمها على أسباب سائغة تؤدى إلى ما انتهت إليه من نتيجة، فاذا حكمت بالإخلاء فلابد أن يكون بناء على أفعال تنطوي معنى تخلى المستأجر لتلك العين عن حقه في الانتفاع بها سواء كلها أو بعضها بأي طريق من طرق التخلي، فالإخلاء للتنازل أو الترك شرطه صدور تصرف من المستأجر يكشف تخليه عن حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة بتنازله عنه للغير من الباطن أو باتخاذه تصرفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في انصراف قصده إلى الاستغناء عنه نهائياً .
وأسباب إخلاء الأماكن المؤجرة الخاضعة لقانون إيجار الأماكن رقم 136 لسنة 1981 قد وردت على سبيل الحصر في المادة 18 من هذا القانون مما يدل على أن المشرع قد اشترط لتحقق سبب الإخلاء في هذه الحالة أن يصدر من المستأجر تصرف لازم له يكشف عن استغنائه عن حقه في الانتفاع المقرر بعقد الإيجار إما بتنازله عن هذا الحق بيعاً أو هبةً أو تأجيراً لهذا الحق إلى الغير من باطنه أو أن يكون ذلك باتخاذ تصرف لا تدع الظروف مجالاً للشك في أنه استغنى عن هذا الحق بصفة نهائية ، أما ما عدا ذلك من التصرفات التي لا تعبر عن تخلي المستأجر عن الانتفاع بالعين المؤجرة بعنصريه المادي والمعنوي على نحو نافذ ولازم مما لا يكشف عن تخلي الأخير عن حقوقه المستمدة من عقد الإيجار فلا يتحقق به هذا السبب من أسباب الإخلاء .
الإجابة على السؤال:
وفيما يخص سؤال القارئ نوجز الإجابة له كالتالي:
ترك المستأجر للعين أو التخلي عنه وفقا لأحكام القانونين 149 لسنة 1977 – و136 لسنة 1981 باعتبارها سببا من اسباب الإخلاء يشترط لقيامها عنصرين عنصر مادي متمثل فى واقعة التخلي عن العين وتركها بغير سكنى، وعنصر معنوى يتمثل فى انصراف نية المستأجر إلى التخلى عن العين وتركها نهائيا، وتقدير قيام ذلك سلطة تقديرية لمحكمة الموضوع وتلجأ فى إثبات ذلك إلى سماع الشهود والاحالة للخبير.
وبالنسبة للسؤال/ هل مجرد الشهادة من الكهرباء والغاز تكفي فى حد ذاتها كدليل على ترك العين نهائيا؟
محكمة النقض استقرت على أن خطاب شركة الكهربا بغلق العين المستأجرة وعدم سداد قيمة فواتيرها مدة تجاوزت التسع سنوات لا يصلح بمفرده كدليل على تخلي المستأجر عن حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة بصفة نهائية، ولا يعد تحقيق لسبب من أسباب الاخلاء، وطالما هو له حق الإيجار فان هذا الحق يمتد له ولأبنائه المقيمين معه.