لا صوت يعلو فوق صوت الأولمبياد، ليس فقط باعتبارها الحدث الرياضى الأهم في العالم في المرحلة الراهنة، أو لأنها أعرق البطولات الرياضية، التي تشمل كافة الألعاب، في شكلها الفردى أو الجماعى، ولكن أيضا نظرا لتزامنها مع ظروف تتسم بقدر كبير من الخصوصية، في ضوء تزامنها مع "كابوس" كورونا وتحوراته، ومخاوف كبيرة جراء احتمال قفزة كبيرة في أعداد الإصابات، وتنبؤات كبيرة تحمل في طياتها حالة من الهلع، تعكس استثنائية الحدث، والذى كان مقررا أن يكون في العام الماضى، إلا أن الفيروس فرض رؤيته على الجميع، فكان القرار بتأجيله لمدة عام كامل، على غرار بطولات رياضية، تم ترحيلها، بناء على الظروف الوبائية التي طغت على العالم خلال الأشهر الماضية.
ولكن بعيدا عن استثنائية أولمبياد طوكيو 2020، والتي تجرى بعد موعدها بعام كامل، يبقى الحدث فرصة استثنائية، لإحياء مؤجلات أخرى، في ظل التمثيل الدبلوماسي رفيع المستوى الذى من شأنه إضفاء المزيد من الزخم السياسى لليابان، الذى تتجه لها أنظار العالم، في ضوء وجود العديد من رؤساء الدول، بالإضافة إلى السيدة الأمريكية الأولى جيل بايدن، والتي تقود الوفد الرسمي الأمريكي، لتعقد العديد من الاجتماعات، ذات الطابع السياسى، سواء مع الحكومة اليابانية، أو غيرها، مما يدفع إلى الحديث عن العديد من الملفات العالقة، والتي ترتبط بالدور الذى ستلعبه واشنطن في آسيا في المرحلة المقبلة، ومستقبل علاقاتها وتحالفاتها، بعد مرور 6 أشهر كاملة من صعود الرئيس جو بايدن إلى عرش البيت الأبيض، في يناير الماضى.
ولعل الحضور الدبلوماسي الأمريكي المميز في الأولمبياد، يعيد إلى الأذهان الكيفية التي استغلت فيها واشنطن دورة الالعاب الاولمبية الشتوية، والتي استضافتها كوريا الجنوبية في 2018، حيث كان الوفد الأمريكي برئاسة نائب الرئيس وقتها مايك بنس، ليكون الحدث الرياضى بمثابة مقدمة مهمة للتقارب التاريخى الذى شهدته العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، والتي أوفدت شقيقة الزعيم كيم يو جونج، في ظل تنسيق مع الدولة المستضيفة، والتي لعبت دورا محوريا، في قمتين عقدهما الرئيس السابق دونالد ترامب، مع الزعيم كيم جونج أون، في كلا من سنغافورة وفيتنام، بالإضافة إلى لقائهما الشهير، على هامش زيارة للرئيس الأمريكي السابق إلى كوريا الجنوبية، عبر خلالها الحدود بين الكوريتين، ليكون ترامب أول رئيس أمريكى في التاريخ، تطأ قدماه الأراضى الكورية الشمالية.
وهنا تبقى العديد من الملفات الحساسة حاضرة بقوة، على أجندة جيل بايدن، والوفد الدبلوماسي الأمريكي، على هامش الأولمبياد، وأولها العلاقة مع اليابان، والتي انتابها قدر من الجمود، في السنوات الماضية، إثر اعتماد واشنطن على كوريا الجنوبية، فيما يتعلق بملف بيونج يونج، في الوقت الذى تجاهلت فيه رغبات طوكيو، وتحفظاتها، ناهيك عن الخلافات التجارية العميقة بين البلدين إثر القرار الأمريكي بفرض تعريفات جمركية على الواردات القادمة إليها، وهو الأمر الذى أحدث شروخا لا يمكن تجاهلها في العلاقات بين البلدين، والتحالف القائم بينهما منذ عقود طويلة من الزمن.
مستقبل كوريا الشمالية والانفتاح الدولى عليها، يبقى أحد الملفات الهامة، التي ستطغى على المحادثات بين السيدة الأولى ومسئولى اليابان، في ضوء حالة من الارتباك، تشهده العلاقة، منذ وصول بايدن إلى السلطة، على خلفية المخاوف الكبيرة المرتبطة بمواقفه التي تراها بيونج يانج متشددة تجاهها، وهو ما دفعها إلى تجاهل دعوات للحوار، بل واتهام إدارة بايدن بانتهاج سياسة عدائية تجاهها.
العلاقة بين اليابان وكوريا الجنوبية، هي الأخرى أحد الملفات الهامة، على المائدة الأمريكية اليابانية، على هامش الأولمبياد، بعد التوتر الكبير الذى سادها في السنوات الماضية، وهو الأمر الذى من شأنه التأثير على المصالح الأمريكية في آسيا في المرحلة المقبلة، وهو ما بدا بوضوح في حرص رئيس كوريا الجنوبية مون جيه إن على عدم حضور حفل افتتاح الأولمبياد، والاكتفاء بإرسال وزير الرياضة، وهو ما جاء بعد إساءة من دبلوماسي ياباني بحقه، في تصريح أثار الجدل، دفع السلطات اليابانية إلى الحديث عن إقالته من منصبه.
استثنائية "طوكيو 2020"، لا تقتصر على توقيتها، وتزامنها مع الوباء، وإنما يمتد إلى حالة الزخم، التي وضعت الحدث الرياضى الأهم والأعرق، في دائرة الدبلوماسية الدولية، باعتباره منتدى دولى غير رسمي، يمكن من خلاله إحداث تغييرات عميقة في الخريطة القارية والدولية في المرحلة المقبلة.