ما حدث فى تونس، زلزال سياسى عظيم الأثر، بطله الرئيس التونسى قيس سعيد، عندما قرر الانحياز لمطالب الغالبية من الشعب التونسى الغاضب من حركة النهضة الإخوانية، وممارستها الظلامية، وفشلها الكارثى فى إدارة البلاد، فيما يعد ثورة حقيقية على آخر معاقل الجماعة.
نعم، سقوط جماعة الإخوان فى تونس، زلزال عنيف وقوى، ليس كونها المعقل الأخير للجماعة والحفاظ على ماء وجهها للبقاء فى المشهد السياسى الإقليمى، ولكن كونها تجربة حاول الإخوان الترويج لها بكل الوسائل، السياسية والدعائية، وتقديمها للغرب باعتبار أن الجماعة فى تونس تقبل الآخر، وتعترف بالحريات وحقوق المرأة، حتى ولو تقاطعت مع أدبيات وفلسفة ودستور الجماعة.
من هذا المنطلق، كانت الصدمة العنيفة والقاتلة لقيادات التنظيم الدولى من سقوط آخر معاقل الجماعة بتونس، والنموذج الذى كان يعول التنظيم عليه فى الإبقاء على حياة الجماعة، وإعادتها على مسرح الأحداث من جديد، فى مختلف الأوطان، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن انطلاق ما يسمى، كذبا وبهتانا، ثورات الربيع العربى كان من قلب تونس، لتتسلل إلى عواصم عدد من الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى.
فشل التجربة الإخوانية فى تونس، قد تسدل ستائر النهاية المؤقتة لمسيرة الجماعة السياسية، وتطيل مدة الغياب، لكن لن تقضى على «الأصولية» بشكل عام، والدليل أن بعض المحللين والمراقبين للحركات الأصولية، ذهبوا إلى أن حركة طالبان انتهت فى أفغانستان، كما أن تنظيم القاعدة مات إكلينيكيًا، وجماعة الإخوان وداعش، وباقى التنظيمات الإرهابية دخلت غرف الإنعاش، إلا أنه ومنذ أيام، وتحديدًا فى أول أيام عيد الأضحى، ثبت خطأ هذه الرؤية، عندما أطلت حركة طالبان برأسها على المشهد العام، بإطلاق صواريخ على قصر الرئاسة الأفغانية، فى رسالة تقول: أنا موجودة، ولم أندثر!
تأسيسًا على ذلك، فإن جماعة الإخوان الإرهابية، ورغم طردها من آخر معاقلها فى تونس، إلا أنها ستظل تحيا، وتتنفس، وتستكين، لحين إعادة عافيتها، تمهيدًا للعودة من جديد، ما يدحض كل من يردد أن الجماعة قد انتهت، وتلاشى وجودها فى مصر، وأخيرًا فى تونس، وأن ما يتبنى هذا الطرح، مخطئ خطًأ فادحًا، فالجماعة لم ولن تندثر، نهائيًا، ما لم تتوافر عوامل كثيرة وجوهرية، أبرزها قطع الحبل السرى لأفكار وأدبيات الجماعة، من الجذور، ولن يتأتى ذلك، إلا بتنقية كتب التراث، وتغيير مناهج الجامعات والمعاهد والمدارس الدينية، وتغيير فعلى وحقيقى للخطاب الدينى، ثم نشر الثقافة، والتوعية المستمرة بمخاطر التطرف.
ولكن، ما يهم فى إسقاط الإخوان من المشهد العام التونسى، أنها حطمت بقوة مفرطة كل الشماعات التى كانت تعلق الجماعة عليها خيباتها وفشلها، من عينة أنها لم تحصل على فرصتها كاملة فى مصر، فلم تحكم سوى عام، فتجربتها فى تونس استمرت عقدا كاملا من الزمن، سطرت فيه فشلا مريعا، فانهار الوضع الاقتصادى وتراجعت بشدة معدلات التنمية وزادت البطالة، وتراجعت بقسوة قطاعات حيوية، مثل القطاع الصحى، ودشنت أخونة كل المؤسسات، ولم تفلح فى تسجيل أى نجاح، متعلق بالازدهار والاستقرار، سوى فى تأسيس الميليشيات ومحاولة أخونة البلاد، وتقسيمها لمقاطعات كما قال الرئيس التونسى قيس سعيد.
تونس على الطريق الصحيح، فى اجتثاث الإرهاب، وتبديد الظلام، ووضع أقدامها بين الدول المستقرة والمزدهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة