على مدار أكثر من 40 عاما، لم تعرف أفغانستان استقرارا أو هدوءًا، فهذا البلد الصغير والفقير ظلمته الجغرافيا حين وضعته على حدود جنوب آسيا والشرق الأوسط، فأصبح فى موقع إستراتيجى جره لحروب بدأت بالغزو السوفيتى عام 1979 ثم الغزو الأمريكى فى عام 2001 وحرب استمرت نحو 20 عاما لتعيد الأمور إلى النقطة صفر وتبقى طالبان فى وضع السيطرة مع تقدمها فى كثير من المدن الكبرى.
ورغم أن أفغانستان دولة حبيسة لا تمتلك سواحل بحرية، إلا أن حدودها المشتركة مع باكستان وإيران والصين، وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة تركمنستان وطاجيكستان وأوزبكستان وضعتها فى قلب صراعات السياسة والحرب بين معسكر الشرق ممثلا فى روسيا الاتحاد السوفيتى سابقا، ومعسكر الغرب.
الغزو السوفيتى لأفغانستان
بدأت مأساة أفغانستان فى العصر الحديث فى عام 1979 عندما تحولت إلى جزء من الحرب الباردة بين السوفييت والأمريكيين. قبل بداية هذا العام بأشهر قليلة، شهدت أفغانستان انقلابا قاده حزب الشعب الديمقراطى المدعوم من السوفييت ضد حكم الرئيس محمد داود خان فى إبريل عام 1978. فرض القادة إصلاحات لم تحظى بشعبية وزاد القمع وتم إعدام السجناء السياسيين، فظهرت جماعات مسلحة مناهضة للحكومة، وأصبحت البلاد فى حالة تمرد.
انعكست الأوضاع على الحزب الشيوعى الحاكم وتم اغتيال أمينه العام نور محمد تراقى، مما أدى إلى توتر فى العلاقات مع السوفييت. وخوفا من أن يخطط حفيظ الله أمين، الذى حل محل تراقى، للميل نحو الغرب، قام الزعيم السوفيتى ليونيد برجنيف بنشر الجيش عبر الحدود فى 24 ديسمبر 1979 ليبدأ الغزو.
بعد الغزو، سعت الولايات المتحدة وحلفائها إلى تمويل ودعم الجماعات المناهضة للسوفييت، وفى مقدمتهم المجاهدين الذين حصلوا على كميات كبيرة من المساعدات وتم تدريبهم فى باكستان، وعمد المجاهدون إلى شن حرب عصابات على مدار 10 سنوات أحرجت السوفيت بشكل كبير. ورغم أن الاتحاد السوفيتى زاد من تعداد قواته لأكثر من 100 ألف مقاتل، ورغم التكلفة الباهظة لهذه الحرب، إلا أنهم لم ينجحوا فى تحقيق أهدافهم.
وعندما تولى ميخائيل جورباتشوف زمام الأمور، ومع محاولة الإصلاح الاقتصادى وتخفيف أجواء التوتر والحرب الباردة قام بسحب القوات من أفغانستان والذى اكتمل فى عام 1989.
الحرب الأهلية
بعد انتهاء حقبة الغزو السوفيتى، لم تعرف أفغانستان الهدوء لفترة طويلة. فشهد عام 1992 انهيار حكومة نيجب الله الشيوعية، التى تولت السلطة فى عام 1987 إلى معركة شرسة على السلطة أسفرت عن 100 ألف قتيل خلال عامين فى الوقت الذى بدأت فيه حركة طالبان تبرز فى جنوب البلاد فى عام 1994، وكان تتكون من مقاتلين إسلاميين تدعمهم باكستان.
وفى عام 1996 استولت حركة طالبان بقيادة الملا عمر على السلطة فى كابول، وفرضت تطبيقا صارما للشريعة الإسلامية، وبدأت فى التقارب مع تنظيم القاعدة واستقبلت زعيمه أسامة بن لادن ووفرت له ملاذا فى الوقت الذى كانت فيه الولايات المتحدة تطارده لدوره فى عمليات إرهابية استهدفتها منها تفجير سفارتى واشنطن فى كينيا وتنزانيا.
أحداث سبتمبر والغزو الأمريكى لأفغانستان
كان يوم الثلاثاء الأسود 11 سبتمبر 2001، بداية لمرحلة أكثر ظلاما فى تاريخ أفغانستان، فقد شهد هذا اليوم وقوع أسوأ اعتداءات إرهابية على الأراضى الأمريكية تبين أن من يقف ورائها تنظيم القاعدة المدعوم من طالبان.
وبعد شهر واحد من تلك الأحداث، حدث الغزو الأمريكى لأفغانستان الذى أسفر عن انتهاء حكم طالبان وتولى حامد كرزاى الحكم مع استمرار مطاردة طالبان وعناصر القاعدة وتقديم مساعدات أمنية بالغة بمليارات الدولارات ونشر ما يقرب من 150 ألف جندى.
ورغم الخسائر الفادحة التى لحقت بها، لم تستسلم حركة طالبان للوضع الجديد، ففر مقاتلوها إلى الدول المجاورة وخاصة باكستان وبدأوا تمردا مسلحة ضد كابول وحلف الناتو، وحصلوا على الأموال من تجارة المخدرات والتعدين وفرض الضرائب.
2014 العام الأكثر دموية
ظل القتال مستمرا ولم تهدئ الأوضاع فى أفغانستان حتى جاء عام 2014، الذى يعتبر العام الأكثر دموية للبلاد منذ الغزو الأمريكى. حيث أنهت القوات الدولية مهمتها القتالية وتركت الجيش الأفغانى مهمة مواجهة طالبان، التى بدأت تستعيد قوتها وتسيطر على بعض الأراضى وتنفذ عمليات ضد أهداف مدنية وحكومية.
فى عهد الرئيس دونالد ترامب، سعى إلى التوصل إلى اتفاق مع طالبان لإنهاء القتال وإسدال الستار على هذه الحرب فى إطار إستراتيجية لإنهاء التورط فى الخارج. وتم التوصل إلى الاتفاق بالفعل فى فبراير 2020 والذى يقضى بخروج القوات الأجنبية مقابل ضمانات أمنية للقوات الأمريكية.
الانسحاب الأمريكى وعودة طالبان
وعندما تولى الرئيس الأمريكى جو بايدن الحكم، أعلن فى مايو الماضى عزمه سحب كافة القوات الأمريكية من أفغانستان قبل الذكرى العشرين من احداث 11 سبتمبر الإرهابية. ورغم تحذيرات وكالات الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون من تداعيات هذا الانسحاب، إلا أن بايدن أصر عليه. وقبل أن يكتمل الانسحاب بالفعل بدأت طالبان فى السيطرة على كبرى المدن حتى وصلت إلى مدينة قندهار ثانى أكبر مدينة والتى لها أهمية إستراتيجية كبيرة.
وبعد أن كانت التوقعات تشير إلى أن كابول ستسقط فى يد طالبان فى غضون سنوات قليلة، فإن المكاسب الأخيرة التى حققتها الحركة تشير إلى أن السقوط قد يحدث فى غضون أشهر إن لم يكن أسابيع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة