حالة من الحزن هيمنت على المصريين، بعد وفاة الفنان القدير سمير غانم، ومن بعد زوجته دلال عبد العزيز، إثر إصابتهما بوباء كورونا، ليضعا معا كلمة النهاية، على "أفيش" حياة فنية، أبت أن تنتهى بعيدا عن الدراما، التي احترفاها وعملا بها سويا لسنوات طويلة، لإضفاء البهجة على ملايين المصريين، خاصة وأن الزوج الباسم آثر الرحيل دون علم زوجته، ليخلق حالة من الشغف والانتظار للملايين حول الكيفية التي تستقبل به "البطلة" خبر وفاة حبيبها، في مشهد أشبه بأفلام سينمائية، سطرت العديد من قصص الحب الأسطورية، على غرار "حبيبى دائما"، للراحل العظيم نور الشريف والفنانة بوسى، والذى ماتت حبيبته بين يديه، على شاطئ البحر، و"شهداء الغرام" للنجم أنور وجدى، والمطربة ليلى مراد، والذى انتهى بانتحار الحبيبين، إلا أن دلال لم تعلم بخبر وفاته، حتى لحاقها به، ليضع مشهد النهاية المزيد من الحزن في قلوب محبيهما، من كل أنحاء الوطن العربى، بعدما روادهم الأمل في شفائها وعودتها مجددا.
نهاية درامية بامتياز، لقصة واقعية، لم تعرض على شاشات السينمات، أو قنوات الدراما، ولكنها ساهمت على مدار أسابيع طويلة، في دفع الألاف نحو المواقع والقنوات الإخبارية، لمتابعة ما سوف تسفر عنه قصة الحب الحقيقى، الذى يعود لسنوات طويلة، والتي اختلفت في تفاصيلها، عن الدراما التقليدية، فالبطل لم يكن الفارس الذى خطف حبيبته على "الحصان الأبيض"، حيث دارت الأحداث بالعكس، فالبطلة اختارت حبيبها، وخطبته لنفسها، بل وصارعت للفوز به، وهو ما تحقق في نهاية المطاف، ليخرجا معا عن التقاليد المتعارف عليها، فتصبح قصتهما، وإن غاب عنها الصخب المعتاد، أحد أهم حلقات التفاهم والانسجام، في عالم الفن، سواء في مصر أو العالم العربى.
ولعل القرار الذى اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسى، بإطلاق اسم الفنان سمير غانم، على كوبرى جديد بمحور محمد نجيب، هو بمثابة تكريم مهم من الدولة المصرية، ليس فقط للفنان الراحل، وإنما لأسرة فنية، بل وعائلة الفن المصرى بأسره، ليس فقط من أجل أعماله الفنية، وإنما لرسالته التي أداها، والتي لا يقتصر نطاقها على خشبة المسرح، أو أمام كاميرات السينما والتلفزيون، ولكنها امتدت إلى حياته الشخصية، التي قدمت نموذج للأسرة الفنية المستقرة، في الوقت الذى تشهد فيه الكثير من الأسر، في أوطاننا حالات من التفكك، والتي تصل في الكثير من الأحيان لساحات المحاكم، وتتناولها صفحات الجرائد و"السوشيال ميديا"، لتقدم نموذجا محبطا للعديد من الشباب.
قرار الرئيس بتكريم اسم سمير غانم، يمثل انعكاسا صريحا بالتوجه الذى تحمله الدولة المصرية على عاتقها بتقدير المبدعين، في مختلف المجالات، بينما يجسد إيمانا عميقا، بأهمية الفن، باعتباره ركنا رئيسيا من أركان الثقافة، بما يحمله من دور هام في تشكيل الوجدان والعقل الجمعى، ناهيك عن كونه يمثل في جوهره أحد أهم الأسلحة الناعمة، في محاربة الفكر المتطرف، بالإضافة إلى دوره الكبير في تحقيق التقارب بين الشعوب، عبر اقتحام البيوت في مختلف أوطانهم، وتقديم مختلف رسائلها للعالم من خلاله، وهو ما تجلى بوضوح في الدور الذى لعبه الفن، في تعزيز الريادة المصرية في منطقتها.
أهمية الفن ربما انتبهت لها العديد من القوى الدولية والإقليمية في السنوات الأخيرة، حيث ركزت بصورة كبيرة على استخدام الدراما التلفزيونية، والأعمال الفنية الأخرى، والترويج لها في العديد من الدول العربية، من أجل استقطابها شعبيا، وبالتالي ممارسة قدر من الضغط على أنظمتها للقبول بدور أكبر في المنطقة على حساب القوى العربية.
وهنا يمكننا القول بأن إطلاق اسم الفنان سمير غانم، تجاوز قيمته وقامته الشخصية، وإنما امتد إلى محيطه الأسرى، وقصته الإنسانية التي تمثل نموذجا لملايين الشباب عن الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها العلاقات الزوجية، في حقبة طغى عليها الانفصال، مرورا بالعائلة الفنية الكبيرة، في مصر، والرسالة التي ينبغي أن يقدمها الفنان، ليس فقط عبر أعمال جادة، وإنما من خلال رسم ابتسامة على شفاه متابعيه ومحبيه، فالابتسامة في ذاتها أحد أهم رسائل الفن والفنان.