حياة المصريين.. الاحتلال بأشكاله المختلفة لم يؤثر فى ثقافة الشعب المصرى

السبت، 21 أغسطس 2021 03:00 م
حياة المصريين.. الاحتلال بأشكاله المختلفة لم يؤثر فى ثقافة الشعب المصرى موسوعة مصر القديمة الجزء الـ 14
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نتابع سلسلة "حياة المصريين" مع موسوعة مصر القديمة، لعالم المصريات الشهير سليم حسن، ونتوقف مع  الجزء الرابع عشر الذى يأتي بعنوان "الإسكندر الأكبر وبداية عهد البطالمة في مصر".
 
يقول سليم حسن فى التمهيد:
 
دخلت أرض الكنانة في طور جديد من أطوار حياتها الطويلة عندما فتحها الإسكندر وحكمها بعده ملوك البطالمة الذين دام ملكهم بالإضافة إلى ملك الإسكندر ثلاثة قرون كاملة (٣٣٢–٣١ق.م)، غير أن عهد هؤلاء الملوك لم يؤثر في حالة أهل البلاد التأثير الذي ظن بعض المؤرخين أنه كان عظيمًا عميقًا لدرجة كبيرة، والواقع أنه من أعجب الظواهر التي تلفت النظر وتنبه الفكر في تاريخ أرض الكنانة منذ فجر تاريخ حضارتها حتى يومنا هذا، إن الأمم التي حاولت استيطان أرضها سواء أكان ذلك بالغزو أم بالهجرة لم تصل واحدة منها إلى انتزاع شخصيتها أو تؤثر على سكانها بصورة مُحَسَّة تمكن المؤرخ المدقق الواسع الاطِّلاع على ماضيها أن يلمسه أو يحسه بصورة جلية، لا لبس فيها ولا إبهام، وهذه الحالة قد بقيت على مر الأيام وتعاقُب الأجيال إلى أن جاء الفتح الإسلامي فكان أثره ظاهرًا بعض الشيء في تغير حياة الشعب المصري من حيث اللغة والدين، ومع ذلك فإنا نجد أن بعض المعتقدات الدينية والعادات المصرية القديمة قد أثرت بدورها في المعتقدات الإسلامية فصبغتها بالصبغة المصرية القديمة، ولولا قوة تأثير القرآن وهو شريعة الإسلام وحافظ اللغة التي أُنزِل بها لظلت مصر على ما كانت عليه من تقاليد ومعتقدات متوارثة إلى يومنا هذا.
 
ولعمر الحق فإن معظم العادات والتقاليد المصرية القديمة التي تضرب بأعراقها إلى عهود ما قبل الأسرات، لا يزال بعضها باقيًا يتوارثه الأبناء عن الآباء جيلًا بعد جيل، وذلك على الرغم من محاربتها بشتى الطرق والإمكانيات، وعلى الرغم من تسلط المدنية الحديثة وانتشارها في أرجاء البلاد، ومن أجل ذلك نجد أنه مما يلفت النظر بصورة واضحة جلية أن أولئك الذين يتصفحون تاريخ مصر في عهد البطالمة دون أن يكون لهم دراية تامة بماضي تاريخ مصر قبل هذه الفترة يرون أن كل شيء قد تغير منذ فتح الإسكندر لمصر وحكم البطالمة ومن بعدهم الرومان فالعرب، فيرى القارئ العادي أن مصر كانت تنتقل من مرحلة لمرحلة أخرى من مراحل تاريخها وأنه قد أصبح في بيئة أخرى غير التي كان يعيش فيها قدماء المصريين. والواقع أن مثل هذا القارئ يُعَدُّ واهمًا في زعمه، خاطئًا في حكمه بعيدًا عن الحقيقة كل البعد، حقًّا نجد تغيرًا في أحوال البلاد عند الانتقال من يد حكومة إلى أخرى، ولكنه كان تغيرًا سطحيًّا لا يمس جوهر كنه البلاد وطبائع أهلها، وأظهر ما يكون هذا التغير عادة في مسميات المؤسسات والبلدان، وذلك تمشيًا مع الأحوال السياسية والدينية والاجتماعية فقد تجد تبعًا لميول الحكام أن اسم البلدة الواحدة قد تغير مرات عدة، ولكن سكانها وما فُطِروا عليه من عادات وأخلاق ولغة قد ظلوا على ما كانوا عليه منذ فجر التاريخ، ولنضرب لذلك مثلًا بمدينة الفيوم فقد تسمت بأسماء مختلفة في خلال العهد المصري القديم والعهد المتأخر تمشيًا مع ميول الحكام ورغباتهم وسياستهم، وكما حدث تغير في أسماء البلدان نَجِدُ كذلك تغيرًا في مسائل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فقد اختفى بعضها وحل محلها غيرها، ومن ثم نرى أن القوى التي كانت تسيطر على تطور المجمع على حسب مقتضيات الأحوال عامة تندمج في عناصر جديدة وتلبس ثوبًا قشيبًا يتناسب مع مجرى الأمور؛ مثال ذلك أننا نشاهد أنه بعد دخول الإسكندر الأكبر البلاد المصرية والسيطرة عليها بأعوانه وحكومته الجديدة قد اختفى من البلاد عنصر طبقة الأشراف وهم عظماء رجال الإقطاع الذين كان في قبضتهم معظم الثروة في البلاد في عهد الفراعنة، والمُطَّلِع على تاريخ مصر القديمة يعلم تمام العلم مما جاء في تراجم هؤلاء الأشراف أنهم كانوا يلعبون الدور الأول في بناء المجتمع المصري في معظم فترات التاريخ الفرعوني منذ نهاية الدولة القديمة.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة