وبما أنه أبغض الحلال عند المولي عز وجل، فلنقف مع أنفسنا وقفة متأنية لربما نصل إلي مسببات الظاهرة التي انتشرت بشراسة في المجتمع المصري، لعلنا نصل أيضاً إلي الحلول الممكنة للقضاء عليها.
فعادة ما تكون الأسباب متعددة ومتنوعة، لكنها جميعاً نتاج لثقافة وأخلاقيات مجتمع.
ولشديد الأسف قد تجسدت سلبيات هذا المجتمع في ذلك الكيان الصغير المسمي بالأسرة، فالأسرة المصرية كجزء لا يتجزأ عن المجتمع قد نالها ما ناله من تدهور ثقافي و معرفي وانهيار خلقي وذوقي وتعليمي !
وبالتالي خرجت للحياة أجيالا لا تعلم شيئاً عن شىء سوي القشور و السطحيات فحسب، كما انصرفت الأجيال التي سبقتها بفعل ضغوط الحياة التي لا ترحم عن ترسيخ القيم و العادات و التقاليد الخاصة بتحمل المسئولية و تربية الأبناء و تكوين أسرة جديدة ذات أساس متين لا تهدمها الشدائد فتعلمها لأبنائها كما علمنا أباءنا وأمهاتنا بالماضي القريب .
ولكننا الآن وفي غفلة من الزمن وجدنا أنفسنا بمناخ آخر لم نعتاده وتغيرات اجتماعية حادة لم نألفها، فبعد أن كان خيار الطلاق بين الزوجين هو نهاية حتمية لابد منها بعد محاولات ومحاولات مستميتة للتوفيق والإصلاح من الطرفين بنفسيهما أولاً ومن جميع المحيطين من الأهل والأقارب والأصدقاء بعد ذلك ، بات قرار الطلاق هو الأقرب و الأسهل لدي جميع الأطراف!
ذلك بغض النظر عن الخراب المادي الذي سيقع علي عاتق الطرفين وذويهم والخراب المعنوي الذي سيدمر حياة آخرين، خاصة إن كانت هناك ثمرة لهذا الزواج من الأبناء الذين لا حول لهم و لا قوة، ولم يقترفوا أى ذنب في تلك الصفقة الخاسرة.
فلم يعد هناك طرف باستطاعته تقبل الآخر بما فيه من عيوب وكأنه لم يكن يعلم أن بكل شخص عيوب إلي جانب الميزات، فقد خلا قاموس أخلاقيات الأجيال الجديدة من قيم كثيرة "كالصبر والتسامح والمودة والرحمة والصدق" وتم استبدالها بقيم جديدة غريبة و دخيلة علينا مثل " الأنانية و المراوغة و القسوة و التهور و التمرد " و هنا تكمن المشكلة!
فقد تحدثت سابقاً أكثر من مرة عن ظاهرة الطلاق و خطورتها علي تماسك المجتمع، كما تحدثت عن هذا الظلم و النظرة المريضة التي يلصقها المجتمع بكل من تحمل لقب مطلقة .
" التجربة الماليزية"
كنت قد طرحت بعض المقترحات المتواضعة سابقاً للحد من ظاهرة الطلاق المتفشية بالمجتمع، لكنه وجب التحليق خارج صندوق الحلول التقليدية للانفتاح علي تجارب أخري قد حققت نجاحاً ملموساً بدول أخري .
وبما أن التجربة الماليزية في النهوض بماليزيا بسرعة الصاروخ و نقلها من ترتيب الي غيره تماماً مستوحاة أصلاً من تجربة محمد علي بمصر علي حد تصريحات مهاتير محمد صاحب تلك النهضة ،فقد قرأت عن تجربة ماليزيا في علاج ظاهرة الطلاق التي كانت قد تفشت بوقت من الأوقات لتصل إلي ذروتها .
ثورة ضد الطلاق
فقد تبنت الحكومة الماليزية، إبان فترة رئيس الوزراء مهاتير محمد، سياسة حازمة للحيلولة دون تفاقم مشكلة الطلاق في صفوف الماليزيّين، إذ مرّ المجتمع الماليزي، الذي لا يزيد تعداد سكانه عن 28 مليون نسمة، من معاناة التفكك الأسري، حيث بلغت نسبة الطلاق ذروتها في تسعينيات القرن الماضي ووصلت إلى حدّ 32%، أي أن ضمن كل 100 زيجة هناك 32 تفشل، ما حدا بالحكومة إلى تشريع "رخصة الزواج"، التي بموجبها يلتزم كل طرف يرغب في الزواج من الجنسين بالخضوع إلى دورات تدريبية متخصصة، داخل معاهد خاصة، يحصلون بعدها على رخصة تسمح لهم بعقد القران.
وبعد عقد من تأسيس معاهد الزواج، وإلزامية الحصول على الرخصة، أصبحت ماليزيا من أقل دول العالم في نسب الطلاق، بمعدل أقل من 8%، فيما صارت ملفات عقد القران لا تخلو من وثيقة “رخصة الزواج” إضافة إلى الفحوص الطبية و باقي الوثائق المتعارف عليها.
فاليوم، لا يسمح للشباب في ماليزيا بالزواج دون اللجوء إلى الدورات التدريبية التي تمنح رخصاً خاصة، وهي الدّورات التي تدرس فيها مواد شرعية حول الحياة الاجتماعية قبل وبعد الزواج، وأيضا دروسا حول الحياة الصحية والنفسية والروحية للمتزوجين، فيما تتيح تلك المعاهد فترات يلتقي فيها الطرفان المخطوبان من أجل تعارف أكثر..
نهاية:
وبما أن معدلات الطلاق بمصر قد بلغت ذروتها أي أن هناك حالة طلاق كل دقيقتين، فقد وجب الانتباه لخطورة الظاهرة علي استقرار و تماسك المجتمع بأسره، فلنطرق جميع الأبواب لعلنا نجد مخرجاً آمناً من هذا الكابوس المزعج، ولنضطلع علي تجارب الآخرين لعلها تفلح .
وللحديث بقية عن ظاهرة الطلاق التي تفشت بالمجتمع و كيفية القضاء عليها .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة