يمثل «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» الذى ينعقد فى العاصمة العراقية بغداد، ثمرة لمساع وخطوات جرت على مدى الأعوام الأخيرة، فهذا المؤتمر الذى ينعقد بمشاركة كل من مصر والأردن وتركيا وإيران والسعودية والكويت وقطر والإمارات وفرنسا، إضافة إلى المنظمات الإقليمية الكبرى، ممثلة فى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى ومنظمة التعاون الإسلامى، هذا الحضور، يعكس نجاح العراق فى بناء استقرار بعد سنوات من الصراع والارتباك.
وحسبما أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى، فإن قمة بغداد «حدث مهم ليس للعراق فقط، بل للمنطقة كلها»، وهو كذلك لأن استعادة العراق لقوته وتأثيره الإقليمى يدعم التوازن الاستراتيجى فى المنطقة، بعد سنوات أدى الاختلال إلى اهتزاز وصراعات ضاعفت من معاناة الشعوب العربية فى أكثر من مكان، وغيبت تأثير دول عربية ذات وزن فى التوازن الإقليمى.
وتمثل مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى مؤتمر بغداد، تأكيدًا لموقف مصر الداعم لوحدة واستقرار العراق، واستمرارًا لجهود مشتركة ثنائية وثلاثية مع الأردن، وهى ليست المرة الأولى التى يزور فيها الرئيس السيسى العراق، فقد كان أول رئيس مصرى يزور العراق منذ 30 عامًا، وذلك فى يونيو الماضى، وهذه الزيارة، والسابقة، لهما أثر سياسى واقتصادى يؤكد دعم موقف العراق، فضلًا عن جهود التقارب العربى والتنسيق والتعاون فى العديد من الملفات.
ثم إن الحضور الإقليمى القوى لدول جوار العراق، وأيضًا الحضور الدولى، ممثلًا فى فرنسا، أحد أهم الأطراف الأوروبية، من شأنه أن يساهم فى تدعيم مبادرات الحل السياسى، وطرح القضايا الإقليمية فى سياقات ثنائية، يمكن أن تمثل تقاطعًا مع القضايا المطروحة إقليميًا.
على مدى ثلاث سنوات انطلقت جهود بناء تعاون ثلاثى بين مصر والعراق والأردن، منذ مارس 2019، تنمو بشكل متواصل، ويجرى البناء على ما تحقق خلال ثلاث قمم عززت التشاور السياسى، ومواجهة التحديات المشتركة محليًا وإقليميًا، حيث من صالح المنطقة أن تتوقف التدخلات الخارجية، والصراعات، لصالح حلول سياسية تمهد لاستقرار يفتح الباب للتنمية.
هذا التنسيق الثلاثى يمثل أحد أهم محاور التعاون الإقليمى لمعالجة تأثيرات مرحلة من الارتباك امتدت لأكثر من عقدين، بعد الغزو الأمريكى الذى أثر على التوازن الإقليمى، وتسبب فى خلل سياسى واجتماعى وأطلق صراعات طائفية وعرقية أنتجت داعش أحد أخطر التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وانتزاع مساحات إقليمية ومزاعم إقامة دولة الخلافة الوهمية، وبجهد كبير استعاد العراق سيطرته، ومثلت هزيمة داعش مقدمة لاستعادة الاستقرار المفقود، وفتح الباب لمداواة التأثيرات السلبية التى انعكست فى فساد وتراجع التنمية، وأطاح بالقدرات الاقتصادية، ويواصل العراق مساعيه لاستعادة مكانة مهمة فى التوازن الإقليمى، وهو أمر يدعمه التعاون والتنسيق مع مصر والأردن والدول العربية، وانعكس فى انعقاد ونجاح «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة».
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، للعراق، استكمال لعلاقات تم بناؤها على مدى السنوات، وتعززت باتفاقات اقتصادية وتجارية، ولجان مشتركة، فضلًا عن تنسيق المواقف العربية والإقليمية بشكل يدعم نظرية الفعل العربى، بديلًا عن انتظار تحركات قوى كبرى مشغولة بقضاياها ومنافساتها، ويؤكد الرئيس دائمًا، دعم مصر للدولة والحكومة فى العراق، بينما يؤكد الجانب العراقى حرص العراق على الارتقاء بالتعاون مع مصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، لمصلحة الشعبين الشقيقين، وحجر أساس للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمى، وإعادة التوازن للمنطقة، وذلك فى ضوء الأهمية المحورية لمصر إقليميًا ودوليًا.
وأكد الرئيس سياسة الدولة المصرية، خلال السنوات الأخيرة التى تتركز فى دعم الدولة الوطنية واستقرار الدول، ووقف التدخلات الخارجية، وترى أن دولًا كثيرة عربية تعرضت، خلال السنوات الماضية، إلى ارتباكات أفقدتها قدرتها، وأضعفت الموقف العربى، وصنعت نوعًا من الفراغ، أدى إلى ظهور التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن التدخل الخارجى، وترى مصر أن الإرهاب ليس أمرًا محليًا، فقط، ولكنه أمر يؤثر على العالم كله، وسلط الضوء على التأثيرات السلبية للإرهاب على الشعب العراقى وغيره من الشعوب العربية.
وجدد الرئيس دعمه للعراق، فى طريق استعادة قوته، فى ظل العلاقة الممتدة بين الشعبين المصرى والعراقى، على مدى عقود، ووجه فى نهاية كلمته دعوته للشعب العراقى، أن يشارك فى الانتخابات لاختيار ممثليه، واستعادة الاستقرار، كمقدمة للتنمية، بما ينعكس على الشعب العراقى وشبابه، وأيضًا يقوى الاستقرار فى المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة